إذا لم تستطع الحرب الإسرائيليّة على غزّة جمع الفلسطينيين، فمن سيتمكّن من ذلك؟ سؤال بات يتردّد بكثرة بعدما شارف القتال بين حركة "حماس" والجيش الإسرائيلي على إتمام شهره التاسع دون أن يُسهم حتى في مخاض مصالحة تجمع شتات الفصائل المتناحرة، وفي مقدّمتها حركتا "فتح" و"حماس"، لا بل إنّ الخلافات بين الجانبين وصلت إلى حدّ إرجاء جولة المحادثات التي كانت مقرّرة في منتصف حزيران/يونيو في الصين إلى أجل غير مُحدّد.
و"فتح" التي تقود منظمة التحرير الفلسطينيّة، وتتولّى السلطة في الضفّة الغربيّة، هي من طلبت تأجيل المحادثات، وفقاً لمصادر من الحركة نفسها و"حماس" وفصيل آخر مشارك في اللقاءات. الرواية الرسميّة الصادرة عنها أكّدت أنّ "فتح لا تزال ملتزمة بالجلوس إلى طاولة الحوار الوطني، وتعمل على استكمال التحضيرات كافة من أجل توفير المناخات المناسبة لإنجاح الوساطة الصينية". وربط مسؤولون فيها طلب التأجيل بـ"تصاعد العدوان وتعقيدات الأحداث ومستجدات توسّع الحرب للشمال، والخطر الوجودي الذي تواجهه السلطة في الضفة".
وفي حين يلتزم المتحدّث باسم "فتح" جمال نزال بالرواية الرسميّة، إلّا أنّه يكشف وجود أسباب أخرى وراء هذا الإرجاء، مرتبطة خاصة بخلافات عميقة مع "حماس".
ويتساءل نزال، في حديث لـ"النهار"، عن جدوى المحادثات في ظلّ رفض "حماس" الانضمام إلى منظّمة التحرير، وكذلك وجود السلطة الفلسطينيّة في غزّة ومعبر رفح، أو "حتى مشاركة الحكم مع أحد"، إضافة إلى عدم قبولها بقيام دولة فلسطينيّة على حدود العام 1967.
على النقيض، يؤكّد الأمين العام لـ"حزب الشعب" الفلسطيني وعضو منظمة التحرير بسام الصالحي أنّ هذه النقاط جرى الاتفاق عليها في جولات المحادثات السابقة.
ويقول الصالحي، في تصريح لـ"النهار"، إنّ هناك 4 نقاط جرى أصلاً التوافق عليها:
أولاً: منظّمة التحرير هي الممثّل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، والحوار بين الفصائل من أجل توسيع المنظّمة وتعزيز مكانتها التمثيليّة.
ثانياً: حكومة توافق وطني مسؤولة عن غزة والضفة تضمّ كفاءات.
ثالثاً: الدولة الفلسطينية بحدود العام 1967 وحق العودة هما الهدف المباشر للنضال، وتنطلق القوى الفلسطينية في برنامجها السياسي بالاعتراف بالشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة.
رابعاً: توافق على أولويّة وقف إطلاق النار في غزّة والانسحاب الإسرائيلي من القطاع والتزام المجتمع الدولي بإعادة إعماره.
يضيف الصالحي إنّ "ما تبقى من قضايا خلافيّة قابل للتفاهم عليها، وحتى لو لم يكن الحلّ فوريّاً من الممكن استمرار النقاش بشأنها".
ويشير إلى أنّ الخلاف مرتبط بـ"أشكال النضال والمقاومة" و"آليات تنفيذ ما يتم التوافق عليه".
لكنّ نزال يعتبر بدوره أنّ "تنفيذ الاتفاق ليس تفصيلاً عابراً، فما نفع التوصّل إلى تفاهم دون أن تلتزم حماس به؟".
يتّهم المسؤول في "فتح" حركة "حماس" صراحة بالتنصّل من الاتفاقات، مرجعاً المشكلة الأساسية إلى "عدم الوضوح والالتزام والحسم".
ويضيف: "نتابع تصريحاتهم فنراهم تارة يوافقون على دولة فلسطينيّة بحدود العام 1967 والانضمام لمنظمة التحرير، وتارة يرفضونها! لا نتوقّع ممّن كرّس نفسه للحؤول دون تطبيق هذا الحلّ واتهام كلّ مؤيّديه بالتنازل والخيانة أن يُغيّر موقفه فجأة".
ويأسف نزال لوجود "مساحة التقاء" بين رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو و"حماس" على "استبعاد" السلطة الفلسطينية من غزّة. ويلفت إلى أنّ الحركة "كان بإمكانها الاحتماء بمظلّة منظّمة التحرير التي تحظى بشرعيّة دوليّة، وتسحب الذريعة من الاحتلال" لكنّها "لا تريد شركاء في الحكم".
وتسعى "حماس" للتوصل إلى اتفاق مع فتح بشأن إدارة تكنوقراط جديدة للضفة الغربية وقطاع غزة في إطار اتفاق سياسي أوسع نطاقاً، ما يسلّط الضوء على هدف الحركة المتمثل في الإبقاء على نفوذها بمجرد انتهاء الحرب.
وتعارض الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، اللتان تصنفان "حماس" منذ وقت طويل "منظمة إرهابية"، أي دور للحركة في إدارة القطاع الفلسطيني بعد الحرب.
وتؤيد الدول الغربية فكرة إدارة السلطة الفلسطينية بعد إعادة تشكيلها بقيادة محمود عباس قطاع غزة عقب الحرب، إلا أنّ نتنياهو يرفض ذلك.
وترفض "حماس" نهج عباس في السعي للتفاوض على تأسيس دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس الشرقية، معتبرة إياه "نهجاً فاشلاً"، وتدعو إلى "الجهاد" أو المقاومة المسلحة ضد إسرائيل.
ويحذّر نزال من "تهديد وجودي" تواجهه السلطة الفلسطينيّة في ظلّ "حصار إسرائيلي عليها والاستيلاء على مقدّراتها الماليّة"، مبدياً تخوّفه من "القضاء على السلطة بنهاية هذه الحرب".
ويرى الصالحي بدوره أنّ "السلطة في الضفة باتت دون مضمون سياسي وفقدت دورها بعد التنصل الاسرائيلي من الاتفاقات معها"، ويشير إلى وجوب "تجاوز السلطة واتفاقاتها والتزاماتها، وأن يكون اليوم التالي للحرب من أجل قيام دولة فلسطينية".