حافظت إيران على تجربتها الانتخابية، التى عرفت منذ بدايتها تنافسًا وأحيانًا تداولًا للسلطة من داخل النظام بين تيارين هما الإصلاحيون والمحافظون.
صحيح أن الاحتجاجات التى صاحبت انتخابات ٢٠٠٩، وأُعلن فيها عن خسارة مرشح إصلاحى "حقيقى"، وهو "مير حسين موسوى"، اعتبرها أنصاره مزورة، وإيران لم تعد تقبل بتنافس كامل بين الإصلاحيين والمحافظين، إنما أصبحت منظومة الحكم تشترط أن يكون الإصلاحيون مقبولين من التيار المحافظ المسيطر على مؤسسات الدولة.
ووفق الدستور الإيرانى، يقوم مجلس صيانة الدستور، الذى يتكون من ١٢ عضوًا، من رجال دين وقانون، يشرف عليهم المرشد الأعلى على خامنئى، بفحص أسماء المرشحين فى غضون ١٠ أيام بعد انتهاء فترة التسجيل، وقد استبعد المجلس العديد من المرشحين، منهم الرئيس الأسبق المحافظ أحمدى نجاد وكثير من المرشحين الإصلاحيين، وقبل فقط من التيار الإصلاحى المرشح المتقدم فى الجولة الأولى "مسعود بزشكيان"، الذى حصل على حوالى ١٠ ملايين ونصف المليون صوت، يليه المرشح المحافظ سعيد جليلى، الذى حصل على حوالى ٩ ملايين ونصف المليون صوت، بما يعنى أن المرشحين سيدخلان فى جولة إعادة لحسم اسم الرئيس القادم. النظام السياسى الإيرانى يقدم نموذجًا لانتخابات تهندس قواعدها مسبقًا، ولذا، فإنها تقريبًا لا تعرف عمليات تزوير أو تلاعب فى نسب الحضور، إنما تضع مؤسسة دستورية قواعدها، بحيث تكون فى أغلب الأحيان معروفة نتائجها مسبقًا. والحقيقة أن ميزة التنافس بين أجنحة داخل النظام أنها تساعد على عملية تجديد النخبة الحاكمة، وتجعلها قادرة بصورة أكفأ على مواجهة التحديات الكثيرة، ولكن عيبها الأساسى أنه مع الوقت يفقد الناس الاهتمام بالعملية الانتخابية، ما يجعلهم يقولون المثل المصرى الشهير: "أحمد زى الحاج أحمد"، وينسحبون من المشاركة فى الانتخابات، وهذا ما يفسر ضعف نسبة المشاركة فى الانتخابات الأخيرة، والتى بلغت ٤٠٪، وهى أدنى نسبة مشاركة فى تاريخ الجمهورية الإسلامية.
وقد عزز هذا الوضع أن التنافس الذى عرفته إيران بين أجنحة النظام لا يؤدى إلى تغيير أو إصلاح فى المنظومة الحاكمة، التى عرفت منذ تأسيس النظام السياسى الإيرانى عقب نجاح الثورة الإيرانية عام ١٩٧٩ وحتى اللحظة تناقضًا بين الصلاحيات الهائلة لمرشد الثورة المنتخب من بين رجال الدين، ورئيس الجمهورية المنتخب من الشعب، وأن هذه الثنائية شملت تقريبًا كل مؤسسات النظام السياسى الإيرانى وليس فقط ثنائية رئيس الجمهورية والمرشد الأعلى، إنما أيضًا وجدت طريقها بين مجلس الشورى الإسلامى، أى البرلمان، فى مقابل مجلس صيانة الدستور، وفى القوات المسلحة هناك الجيش الإيرانى النظامى، وهناك الحرس الثورى.
ستجرى جولة الإعادة فى الانتخابات الإيرانية فى موعدها، وإذا فاز كما هو متوقع الرئيس الإصلاحى، فقد يعنى الأمر تغييرًا فى بعض تفاصيل السياسة الإيرانية، والذى يرى البعض أنه قد يؤدى إلى تغيرات أكبر لم تحدث بعد.