إختار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التوقيت المناسب لاستخدام نفوذ بلاده كقوة عظمى في مجالي النفط والغاز، مع اقتراب فصل الشتاء وسط موجة ارتفاع كبيرة ومتسارعة في أسعار الطاقة تضرب أوروبا.
شهد الغاز القياسي الأوروبي يوماً فوضوياً وسط تداولات متقلِّبة ارتفعت خلالها الأسعار بنسبة 40% قبل أن يحد بوتين من تلك الارتفاعات من خلال عرضه المساعدة في استقرار الوضع.
وقال بوتين، إنَّه من المحتمل أن تُصدِّر روسيا كميات قياسية من الوقود الحيوي إلى القارة هذا العام.
وقال ألكسندر نوفاك، نائب رئيس الوزراء الروسي، إنَّ سرعة الموافقة على خط أنابيب الغاز الطبيعي "نورد ستريم2" المثير للجدل أحد السبل لتنفيذ تلك المساعدات.
يمر "نورد ستريم 2" أسفل بحر البلطيق بين روسيا وألمانيا، لكنَّه مقيَّد بعملية ترخيص طويلة ومعقدة ومسيَّسة للغاية.
في حين أنَّ بوتين نفسه لم يربط بشكل مباشر الإمدادات الإضافية بالموافقة على خط الأنابيب؛ فقد أشار إلى أنَّ زيادة الإمدادات ستكون عبر طريق رئيسي آخر للصادرات الروسية إلى أوروبا عن طريق أوكرانيا الأكثر تكلفة.
قال بوتين في اجتماع تمَّت إذاعته عبر التلفزيون يوم الأربعاء: "دعونا نجد حلاً للزيادة المحتملة في إمدادات السوق، فكلُّ ما نحتاج إليه الآن، هو أن نقوم بذلك بعناية".
تفاقم الأزمة
تتفشى أزمة الطاقة في أوروبا بأسواق الأسهم والسندات، مما يحفِّز مخاوف التضخم، ويهدد بإعاقة الصناعات الرئيسية. في حين تكافح حكومات المنطقة للتعامل مع تلك الأزمة، مع القليل من الآمال في شتاء معتدل لتخفيف حدَّتها.
ووفقاً لبعض المسؤولين الأوروبيين؛ كانت إمدادات روسيا أكبر مورد للمنطقة أقل من المتوقَّع، مما يعد السبب الرئيسي لذلك الوضع المزري.
أكَّد بوتين أنَّ شركة "غازبروم" التي تديرها الدولة قد أوفت بجميع عقود التوريد الخاصة بها، وأنَّ بلاده لا ترغب في رؤية "جنون المضاربة" الذي يجتاح الأسواق حالياً.
وقال بوتين: "كانت روسيا و ماتزال مورداً موثوقاً للغاز للمستهلكين المنتشرين حول العالم في آسيا وأوروبا، وهي تفي دائماً بجميع التزاماتها بالكامل".
اقتربت صادرات "غازبروم"لأوروبا خلال الأشهر التسعة الأولى من العام من أعلى مستوياتها على الإطلاق، وفقاً للشركة.
وقال بوتين، إنَّه إذا استمرت وتيرة الإمدادات على الحال نفسه حتى نهاية عام 2021، سيتمُّ تسجيل عام قياسي من إمدادات الطاقة من روسيا إلى أوروبا.
كانت صادرات "غازبروم" اليومية إلى أوروبا قد اقتربت من تسجيل مستويات قياسية في وقت سابق من هذا العام، لكنَّها تراجعت في سبتمبر وسط زيادة الطلب المحلي بسبب البداية المبكرة لموسم التدفئة، بالتزامن مع مواصلة الشركة حملة التخزين والضخ للمنازل، والتي من المقرر أن تنتهي بحلول الأول من نوفمبر.
استقرار الأسواق
طلب بوتين من حكومته ومسؤولي الطاقة التنفيذيين تقديم مقترحات حول كيفية تحقيق الاستقرار في سوق الطاقة، ولم يكن "نورد ستريم 2" هو الاقتراح الوحيد.
فقد اقترح نوفاك وزير الطاقة السابق، وأحد "مهندسي" تحالف "أوبك+" بيع إمدادات إضافية على المنصة الخاصة بشركة "غازبروم" التي تتخذ من سانت بطرسبرغ مقرّاً لها.
ويزداد مصير "نورد ستريم 2" تعقيداً مع تأزم أوضاع الطاقة في أوروبا.
أثار تراجع الصادرات الروسية في سبتمبر- مما يعني انخفاض الإمدادات عبر أوكرانيا وبولندا- انتقادات بأنَّ البلاد كانت تحجب الإمدادات لفرض الموافقة على خط الأنابيب الجديد بشكل أسرع.
وقال بوتين، إنَّ شركة"غازبروم" سترسل عبر أوكرانيا كمية من الغاز تفوق ما تعاقدت عليه هذا العام. ومع ذلك؛ تحدَّث أيضاً عن مدى ملاءمة البلاد كطريق عبور، قائلاً إنَّ أنظمة خطوط الأنابيب الروسية الجديدة تحت البحر الأسود وبحر البلطيق - التي تشمل "نورد ستريم 2"–أفضل اقتصادياً وبيئياً.
أضاف بوتين، أنَّ شحن كميات أكبر من الغاز عبر أوكرانيا "غير مربح اقتصادياً لشركة "غازبروم"، لأنَّه أكثر تكلفة".
وقال، إنَّ الإمدادات من خلال خطوط الأنابيب الجديدة التي تمَّ تشغيلها في السنوات الأخيرة يقلل من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي بمقدار 5.6 مرة".
طفرة الطلب
وأشار بوتين إلى أزمة السوق الحالية نتيجة تسارع التعافي الاقتصادي بوتيرة أسرع من المتوقَّع في جميع أنحاء العالم، الأمر الذي أدى إلى تزايد الطلب على الطاقة. وقال، إنَّ الشتاء الطويل والبارد بشكل غير متوقَّع أدى إلى استنفاد مخزون الغاز في أوروبا.
ومع ذلك؛ سلَّط بوتين الضوء أيضاً على "خطأ" ارتكبته السلطات الأوروبية للتحوُّل من العقود طويلة الأجل التي تفضِّلها عادةً روسيا إلى المبيعات قصيرة الأجل في بورصات المنطقة.
قال بوتين: "أصبح من الواضح تماماً اليوم أنَّ تلك السياسة خاطئة". ونتيجة لذلك؛ حطَّمت أسعار الغاز جميع المستويات القياسية، وتقترب اليوم من الوصول إلى 2000 دولار لكلِّ ألف متر مكعب.
بلومبرغ الشرق