يحتفظ لاجئو فلسطين منذ عشرات السنين بمفاتيح منازلهم المهجرين منها في نكبة عام 1948، إلى دول عدة مجاورة وبعيدة، وبعد نكبة حرب غزة المستمرة، انضم مفتاح آخر لسلسة آلامهم، يُذكّر سكان القطاع، بفداحة خسارتهم ومرارتها، ويجعلهم متمسكين أكثر رغم الوجع والحسرة، بالعودة إلى ديارهم، ولو بعد حين.
من نزوح إلى نزوح، ومن موت إلى آخر، ومع ذلك لا زالوا يمسكون بمفاتيح منازلهم أملاً بالعودة إليها وبنائها من جديد، بعد أن حولتها الحرب المستمرة منذ 9 أشهر إلى ركام ودمار.
إصرار على العودة
حسن نوفل، أحد الذين يقاسون مرارة العيش والنزوح المتكرر في غزة، يحتفظ بمفتاحين في سلسلة يتمسك بها، أحدهما لبيت أجداده الذين طُردوا من ديارهم في جنوب إسرائيل بعد نكبة عام 1948، والآخر لمنزله المنكوب في شمال غزة، الذي اضطر للفرار منه العام الماضي، بعد اندلاع الحرب.
وعلى مدى 9 أشهر، اضطر نوفل وعائلته للنزوح 4 مرات بسبب الغارات والهجمات الإسرائيلية، ومع ذلك يؤكد، أن المفتاح، لن يتحول إلى تذكار آخر، كما هو الحال في مفتاح منزل أجداده.
وقال، "إذا أصبح مفتاح منزلي مجرد ذكرى مع تقدمي في العمر، فأنا لا أريد أن أعيش بعد الآن، يجب أن أعود إلى منزلي.. أريد أن أبقى في غزة، وأستقر في مع أطفالي في منزلنا".
ولا يكاد يوجد في غزة بكاملها شخص بقي في مكانه، ولم يضطر إلى النزوح ولو مرة واحدة، في أحسن الأحوال، وتؤكد التقارير، أن الشريحة الأكبر من سكان القطاع، نزحوا أكثر من مرة، ومن خيمة إلى أخرى، ومن ملجأ مؤقت إلى آخر، قد يصبح هدفاً يدك بالقذائف الإسرائيلية، ويفنى جميع من فيه.
ومدارس الأمم المتحدة، والبيوت المدمرة خير شاهد على مرارة النزوح، حيث فتحت أبوابها أمام المشردين منذ بداية الحرب.
وفي كل نزوح جديد، تضطر العائلات الفلسطينية، إلى خوض كفاح جديد، من أجل البقاء، والاحتفاظ ببعض ممتلكاتها الضرورية للصمود في وجه الموت المستشري.
من نزوح إلى آخر
وفي آخر موجة نزوح، توجه مئات الآلاف من سكان القطاع نحو مدينة خان يونس، بعد أمر إسرائيلي طلب من الجميع المغادرة بسرعة، وبسبب ضيق المكان، وفقدانه مقومات الحياة، يتكدس الجميع تقريباً في منطقة تزعم إسرائيل أنها آمنة، تعرف بالمواصي، وتمتد على حوالي 60 كيلومتراً مربعاً على ساحل البحر الأبيض المتوسط.
وعلى الرغم من تصنيفها بالآمنة، نفذت إسرائيل غارات جوية قاتلة على المواصي، حتى تفاقمت الظروف المزرية في مخيماتها البلاستيكية الممتدة والمتداعية، والمفتقرة لأنظمة الصرف الصحي، ما يزيد من احتمال تفشي الأمراض، خاصة مع النقص الشديد في الغذاء والمياه النظيفة.
وقال نوفل، وهو موظف في السلطة الفلسطينية، يبلغ من العمر 53 عاماً، إنه فر مع زوجته وأطفاله الستة من منزلهم في مخيم جباليا للاجئين شمالي البلاد في تشرين الأول/أكتوبر، وتوجهوا أولاً إلى مدينة دير البلح بوسط البلاد، ثم إلى مدينة رفح في أقصى جنوب غزة، واضطروا إلى الفرار مرة أخرى عندما شنت إسرائيل هجوما هناك في أيار/مايو، وانتقلوا إلى خان يونس، والأسبوع الماضي، فروا من خان يونس إلى خيمة في المواصي.
وقال: "بالنزوح إلى مكان جديد، من الصعب التعامل مع الحشرات والعيش على أرض رملية، نمرض لأن الجو يصبح حاراً أثناء النهار، وبارداً قليلاً في الليل."
وأضاف، أن النزوح الأول، عن منزله في جباليا، كان الأصعب، فقد جعله يضم إلى سلسلة مفاتيحه مفتاحاً آخر إلى جانب منزل أجداده المهجرين من قرية الحليقات عام 1948.
رموز ثمينة
وتعتبر مثل هذه المفاتيح القديمة ممتلكات رمزية ثمينة لأحفاد الفلسطينيين الذين طردوا أو فروا خلال الصراع الذي أعقب قيام إسرائيل، ويخشى الكثيرون في غزة من تكرار نكبة 1948، مرة أخرى، بحرمانهم من حق العودة إلى منازلهم.