مقالات آخر تحديث في 
آخر تحديث في 

لماذا تُضرب الفروع ولا تُضرب الأصول؟

لماذا تُضرب الفروع ولا تُضرب الأصول؟

فرضت الأحداث الجارية في قطاع غزة، واقعاً عسكرياً جديداً في المنطقة بدءاً من لبنان وصولاً إلى اليمن مروراً بسوريا والعراق، وكل دولة من دول المحور لها خصائصها ومقاومتها.

في اليمن، دخلت جماعة أنصار الله الحوثي مُبكراً إلى قلب المعركة من مكانها البعيد المؤثر عند مضيق باب المندب، حيث استطاعت أن تهدد أمن الملاحة البحرية من خلال استهداف السفن التجارية التي تحاول عبور البحر الأحمر.

على مدار الأشهر الماضية، بدت واشنطن في قمة الغضب والإرتباك معاً، لأن الحوثيين يمتلكون بالفعل ترسانة صواريخ بالستية جيّدة وطائرات مُسيَّرة يتجاوز مداها ألفيْ كيلومتر، وهي المسافة الفاصلة بين تل أبيب وصنعاء، ورغم أنه لا يمكن لهم نظرياً تشكيل تهديد عسكري مباشر للداخل الإسرائيلي، فإنهم على عكس المقاومة يستطيعون فرض حظر بحري انتقائي ضدّ السفن الإسرائيلية المارة عبر مضيق باب المندب، وتهديد السفن الحربية الأميركية التي تظهر لحمايتها.

وقد دفع هذا بكثير من السفن المرتبطة بإسرائيل لتجنُّب المرور في البحر الأحمر والدوران حول أفريقيا، في ظل تردد الموقف الأميركي والتعقيدات السياسية التي تحول دون تحمُّس الدول المُطلة على البحر الأحمر للإنخراط في مواجهة ضدّ جماعة الحوثي في الوقت الراهن.

يُعد التعامل مع "التهديد الحوثي"، أحد الملفات الشائكة التي تهدد بتفجر العلاقة بين أميركا وإسرائيل، فرغم الدعم العسكري المفتوح الذي تقدمه واشنطن للمجهود الحربي لإسرائيل، ثمة خلافات جوهرية بين الطرفين، أهمها أن واشنطن لا تبدو مرتاحة لفكرة حرب بلا نهاية في غزة، فضلاً عن تشككها في إمكانية إخضاع القطاع للسيطرة الإسرائيلية. تبدو الخلافات أصعب حول ما يفعله الحوثيون في البحر الأحمر، إذ ترفض واشنطن توجيه ضربة عسكرية مباشرة للحوثيين، ما دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لإبلاغ الإدارة الأميركية عزمه التحرك عسكرياً ضدهم إذا لم تتخذ واشنطن أي إجراءات. في الأخير، قررت واشنطن التدخل على استحياء من أجل حماية السفن التي قد يستهدفها الحوثيون، دون أن تتخذ قراراً بالتصعيد المباشر ضدهم. وينبع هذا القرار المتحفِّظ حيال التهديدات الأمنية التي تواجه الملاحة في البحر الأحمر من حسابات معقدة، تتعلق في جوهرها بالأوضاع في اليمن والحرب الدائرة فيها منذ عام 2014.

اليمن.. تعقيدات السياسة

يرتبط الموقف الأميركي بعدم الإشتباك مع الحوثيين بتعقيدات أكبر متعلقة بحرب اليمن المُمتدة منذ تسع سنوات، حيث ترفض الولايات المتحدة وضع الجماعة على قوائم الإرهاب حتى اللحظة (باستثناء فترة قصيرة أواخر عهد إدارة ترامب) لترتيبات تعلقت بإقناع الأطراف المشاركة في الحرب باستحالة حسم الصراع عسكرياً، وضرورة الجلوس على طاولة المفاوضات. ومع ظهور بوادر على رغبة الأطراف المختلفة في تليين مواقفها والتفاوض على حل سياسي، ترى الولايات المتحدة أنه لا يمكن المغامرة بالعودة إلى المربع صفر، وخاصةً أن الحوثيين أثبتوا أنهم مكون لا يمكن تجاوزه في أي حل.

وفي الوقت الذي يقول فيه الحوثيون الذين يسيطرون على ثلاثة موانئ رئيسية إن عملياتهم العسكرية في البحر الأحمر لها أهداف مُحددة ومعروفة للجميع ولا تستهدف إلّا السفن الإسرائيلية، دعت الولايات المتحدة لتوسيع قوة المهام المشتركة 153، وهي وحدة عسكرية تضم 39 دولة تركز على تأمين ومكافحة الإرهاب في البحر الأحمر وخليج عدن. وقد تولَّت مصر قيادتها منذ كانون الأول/ ديسمبر 2022، قبل تسليمها إلى الأسطول الخامس الأميركي الذي يتولى قيادتها حالياً منذ حزيران/ يونيو الماضي. وبينما تتصدر مصر وإلى جوارها السعودية والإمارات والأردن والولايات المتحدة مسؤولية حماية التجارة العالمية، وسلامة عبور ناقلات النفط من قناة السويس، لا يبدو أن أحداً من هؤلاء يرغب في خوض مواجهة مباشرة مع الحوثيين في هذا التوقيت، خاصةً أن عملية كتلك سوف تظهر بوصفها خدمة للمصالح الإسرائيلية أكثر من كونها طريقة لتأمين الملاحة في البحر الأحمر.

من الواضح ان الإدارة الأميركية الحالية لا تريد الدخول في صراع مباشر وعلى الأرض مع الحوثيين لأسباب عديدة، ليس لأنها تخشى من توسع نطاق الصراع في منطقة الشرق الأوسط والخليج، بل لأسباب ترتبط أولاً بالتكاليف الباهظة لأي عملية عسكرية قد تشنها ضدّ الحوثيين، وعدم وجود شركاء فاعلين حالياً يمكن أن يتكفلوا بدفع هذه التكاليف، إضافةً لأن الإدارة الأميركية الحالية ضعيفة وتركز جهودها على مراقبة الصين وحماية تايوان.

على المدى الطويل، أميركا تخسر مجالها الحيوي، وتخسر حتى التزامها بمبدأ كارتر، واتفاقية روزفلت.

مبدأ كارتر

هذا المبدأ أعلنه الرئيس الأميركي الأسبق، جيمي كارتر، حيث أكد فيه تصميم الولايات المتحدة على مقاومة أي خطر يهدد الخليج بما في ذلك استخدام القوة العسكرية. وكانت جذور هذا المبدأ تعود إلى فكرة إنشاء "قوات التدخل السريع" للتدخل في المنطقة وحث حلفائه على المشاركة في هذه القوة، وقد أنشأت قيادة عسكرية مستقلة لهذه القوة عرفت "بالسنتكوم".

في العام 1979، تمّ استدعاء خبراء الإستراتيجية ﻓﻲ ﺇﺩﺍﺭﺓ الرئيس كارتر لوضع الخطوط ﺍلرئيسة لـ"مبدأ كارتر"، والهدف من ذلك هو التعويض عن "مبدأ نيكسون" الذي فقد صلاحيته.

الإستراتيجية الأميركية التي وضع أسسها "مبدأ كارتر"، تؤكد على حقها بالتدخل عسكرياً في أي مكان تتهدد فيه مصالحها ومصالح العالم الغربي الحيوية، ولما كان الخليج العربي بثروته النفطية يشكل مصلحة حيوية بالنسبة للمصالح الغربية، فإن الدفاع عن هذه المصالح يحتاج إلى آلية للتنفيذ.

إتفاقية روزفلت

في اللقاء الأوّل الذي جمع الملك عبدالعزيز بالقائد الأميركي روزفلت في عام 1945 على متن إحدى السفن الأميركية، تمّ رسم خارطة التحالفات في الشرق الأوسط، ووضع أسس العلاقات التاريخية بين البلدَيْن، التي ترسخت على مدى عقود، سميت "اتفاقية روزفلت".

في الختام، حال المنطقة على حاله، بانتظار فرج قريب يأتي من واشنطن، الغارقة في الحملات الإنتخابية، والتي قد تنتج رئيساً قوياً يعيد النفوذ والسلطة إلى المارد الأميركي الذي فقد هيبته في الفترة الأخيرة. 

خاص- وردنا

يقرأون الآن