إيران لن ترد.. بل لا تستطيع أن ترد!

 تحذيرات متنامية من مغبة توسيع رقعة الصراع في المنطقة، خصوصا بعد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية في طهران، ما يفاقم مخاطر اندلاع حرب إقليمية، خصوصاً مع توعد إيران بالردّ على العملية، التي عدّتها "انتهاكاً لسيادتها".

لم تحدد إيران شكل الردّ أو مداه الزمني، واكتفى القائم بأعمال وزير الخارجية الإيراني علي باقري كني، بالقول، في إفادة رسمية أخيراً، إنه "سيحدث في الوقت الصحيح وبالشكل المناسب"، وسط ترقب عالمي.

تزامن ذلك مع دعوة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، خلال اتصال هاتفي مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية للتوقف عن دعم إسرائيل، "إذا كانت تريد الحيلولة دون اندلاع الحرب وانتشار التدهور الأمني في المنطقة"، بحسب ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية.

على الجانب الآخر، أعلنت إسرائيل جاهزيتها، وأكد رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو "استعداد بلاده دفاعياً وهجومياً". وقال المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية، ديفيد مينسر، في مؤتمر صحافي أخيراً: "نعرف كيف نتعامل مع هذا التهديد الإيراني... مع حلفائنا نحن قادرون على مواجهتهم".

التصريحات والتهديدات المتبادلة بين إيران وإسرائيل تشعل بورصة التكهنات العالمية بشأن سيناريوهات الرد والرد المضاد، وما إذا كانت الأمور ستخرج عن السيطرة، دافعة نحو حرب إقليمية، أم أن الصراع سيبقى "منضبطاً"، برد إيراني "محدود يحفظ الهيبة ولا يشعل حرباً"، على غرار ذلك الذي نفّذته في أبريل (نيسان) الماضي.

مراكز متقاربة لا تعكس واقع القوة

وبينما يترقب الجميع الرد الإيراني ويتحسبون تبعاته، تثار تساؤلات حول القدرات العسكرية لطرفي الصراع، وأيهما له اليد العليا، طهران أم تل أبيب!

موقع "غلوبال فاير باورز"، المتخصص في التصنيف العسكري، يضع كلاً من إيران وإسرائيل في مراكز متقاربة من حيث القوة العسكرية على مستوى العالم، حيث تأتي طهران في المرتبة الـ14، تليها إسرائيل في المرتبة 17 بين 145 دولة شملهم التصنيف الصادر بداية العام الحالي.

ويستعرض الموقع عددياً قدرات البلدين حيث يبلغ عدد السكان في إيران 87 مليون نسمة، مقابل 9 ملايين في إسرائيل. ولدى إيران 610 آلاف جندي في الخدمة، و350 ألفاً بالاحتياط، أما الجيش الإسرائيلي فيضم 170 ألفاً في الخدمة، و465 ألفاً في الاحتياط.

لكن هذا الترتيب والتفوق العددي لا يمنح إيران اليد العليا، حيث إن "دعم الولايات المتحدة غير المحدود لإسرائيل، يجعل من الصعب وضع قدراتها العسكرية في مقارنة مع إيران"، بحسب اللواء محمد الحربي المحلل السياسي والخبير الاستراتيجي السعودي، الذي يؤكد لـ"الشرق الأوسط" "التفوق العسكري التام لإسرائيل على المستويات كافة".

يقول الحربي إن "الصواريخ والمسيرات الإيرانية والإسرائيلية قادرة على الوصول للعمق في البلدين، لكن تظل أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية أكثر تفوقاً وتقدماً، سواء عبر (القبة الحديدية) أو (مقلاع داوود)، يضاف إلى ذلك دعم الولايات المتحدة عبر وجود الأسطول البحري الخامس والقيادة المركزية الوسطى في المنطقة".

سلاح الجو

تحتفظ إسرائيل بتفوق ملحوظ على صعيد القوة الجوية، حيث تمتلك 612 طائرة حربية، مقارنة بنحو 551 طائرة تمتلكها إيران، بحسب "غلوبال فاير باور".

هذا العدد ليس السبب الوحيد في التفوق الإسرائيلي، حيث يشير المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن، في تقرير صدر أخيراً، إلى أن "العقوبات المفروضة على طهران انعكست على تطوير قدراتها العسكرية"، ويقول: "إيران لا تمتلك سوى بضع عشرات الطائرات الهجومية العاملة، بينها طائرات روسية وطرازات أميركية قديمة حصلت عليها قبل عام 1979".

وتمتلك إيران طائرات من طرازات "إف 4" و"إف 5"، و"سوخوي 24"، و"ميغ 29"، و"إف 7" و"إف 14"، إضافة إلى نحو 10 آلاف طائرة مسيرة، ونحو أكثر من 3500 صاروخ سطح - سطح، بعضها قادر على استهداف إسرائيل.

وتعتمد إيران في الدفاع على مزيج من صواريخ سطح - جو، وأنظمة روسية ومحلية الصنع، كما طوّرت منصة صواريخ من طراز "باور 373"، ومنظومتي الدفاع "صياد" و"رعد"، بحسب المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية.

أما إسرائيل فيتكون أسطولها الحربي من طائرات "إف 15" و"إف 16" و"إف 35". وبينما يفتقر سلاح الجو الإسرائيلي إلى قاذفات بعيدة المدى، فإن لديها مسيرات من طراز "هيرون" قادرة على التحليق لأكثر من 30 ساعة. كما تمتلك الصاروخ "دليلة" الذي يبلغ مداه 250 كيلومتراً.

ولدى إسرائيل نظام دفاع جوي متعدد الطبقات، هو "آرو 3"، يستطيع اعتراض الصواريخ الباليستية في الفضاء، و"آرو 2"، ويعمل على ارتفاعات أقل، و"مقلاع داود" متوسط المدى للصواريخ الباليستية وصواريخ كروز، و"القبة الحديدية" قصير المدى للتعامل مع الصواريخ القادمة من غزة أو لبنان، بحسب المعهد الدولي.

قواعد اشتباك منضبطة

حتى الآن لا تزال قواعد الاشتباك والتوتر بين إيران وإسرائيل "شبه منضبطة"، وتتم عبر وكلاء وأذرع طهران في المنطقة، بحسب الحربي الذي يشير إلى "اعتماد إسرائيل نهج الاغتيالات وضرب المواقع الحيوية لأذرع إيران"، لافتاً إلى ما أسماه "حرب الناقلات في البحر الأحمر وخليج عدن بين إيران وإسرائيل".

ويدخل وكلاء أو أذرع إيران في المنطقة كلاعب أساسي يضاف إلى القدرات العسكرية للبلاد، حيث يمكن أن يدفعوا إلى هجوم متعدد الهجمات على إسرائيل، ويصنف مجلس العلاقات الخارجية الأميركي وكلاء إيران، بـ"(حزب الله) في لبنان، والحوثي في اليمن، و(حماس) و(الجهاد) في فلسطين، وبعض الجماعات في العراق، وغيرها في سوريا والبحرين".

وبحسب دراسة لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، فإن "حزب الله" ربما يكون أقوى جماعة غير حكومية مسلحة في العالم. وتتراوح التقديرات حول عدد الصواريخ التي يمتلكها بين 120 ألفاً إلى 200 ألف صاروخ.

أخيراً، يبقى التنبؤ بمستقبل الصراع أمراً "غير ممكن"، حيث رجّح الخبير المتخصص في شؤون الشرق الأوسط وأفريقيا بمجلس العلاقات الخارجية الأميركي، ستيفن كوك، "فشل الجهود الدبلوماسية لمنع تفاقم الصراع"، وقال، في تقرير نشر أخيراً: "الإيرانيون يتوعدون بالانتقام، والإسرائيليون يتحدونهم ووكلاءهم... هذه لحظة لا يمكن التنبؤ بها. من غير المرجح أن ينسحب الفاعلون الرئيسيون من معركة مدمرة... هذه هي الحرب التي كانوا جميعاً يستعدون لها".

يقرأون الآن