بلغ دوي القصف المدفعي ذروته عندما كانت تيتيانا وجيرانها يتحدثون حول ما إذا كان عليهم البقاء في قريتهم المتاخمة للحدود الروسية في شمال شرقي أوكرانيا أو مغادرتها.
كان الهدوء يخيم في ميروبيليا، وفق ما روت هذه المرأة البالغة 59 سنة، عند مركز استقبال في مدينة سومي الواقعة في المنطقة نفسها، لكن القصف الليلي بات لا يحتمل لدرجة أنه حتى الأقبية لم تعد آمنة.
وقالت تيتيانا التي قررت في نهاية المطاف المغادرة بعد توغل القوات الأوكرانية أخيراً في منطقة كورسك الروسية المجاورة "كما تعلمون، فقط عندما نكتوي بالنار نغادر".
وهذا الهجوم المباغت يمثل أهم عملية برية ينفذها جيش أجنبي على الأراضي الروسية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بحسب محللين.
وفي أوكرانيا، على رغم أنه أدى إلى رفع المعنويات، فإنه تسبب أيضاً بقصف المناطق الحدودية من قبل القوات الروسية التي أكدت تمركز جنود ومعدات هناك، مما دفع إلى إصدار أوامر بإجلاء نحو 20 ألف شخص.
وروت آنا (80 سنة) التي كانت وحيدة ومرتبكة، وهي تذرف الدموع، عن القصف المدفعي الكثيف على قريتها يوناكيفكا، المتاخمة للحدود الروسية. وقالت وهي مستلقية على سرير وبجوارها أكياس وضعت فيها قليلاً من متعلقاتها التي تمكنت من حملها "كنت على وشك شنق نفسي، لكن الله أنقذني"، مضيفة "لكنني لا أدري ماذا أفعل الآن".
وأشار فيتالي كابوروخين المشرف على مساعدة هؤلاء النازحين إلى أن الهجوم الأوكراني الذي تم التخطيط له سراً وتم تنفيذه دون سابق إنذار، فاجأ سكان المناطق المجاورة.
وأوضح هذا الرجل الذي يعمل مع منظمة بلوريتون للإغاثة "الناس متأثرون، يتعين عليهم مغادرة منازلهم، ينبغي أن يتركوا كل شيء". وأضاف "لحسن الحظ، كانت عملية من طرفنا، والقوات الروسية لم تأت إلى هنا، وإلا لكان الوضع أسوأ".
توتر حدودي
وقال مسؤول أوكراني كبير إن الهدف من هذه العملية غير المسبوقة هو زعزعة الوضع في روسيا من خلال إظهار نقاط ضعفها. وفي قرية حدودية أوكرانية تحدث جنود فضلوا عدم الكشف عن هوياتهم وقالوا إنهم أرسلوا للقتال في روسيا، عن قصف روسي مكثف في منطقة كورسك. وفي منطقة سومي تم حفر خطوط دفاع جديدة وقرب الحدود الروسية، وتتصاعد أعمدة الدخان الناجمة عن مقذوفات أوكرانية في السماء فوق حقول شاسعة من عباد الشمس. وتظهر النوافذ المغطاة بساتر خشبي وهياكل المباني المتصدعة التي تعود إلى الحقبة السوفياتية، مدى الضربات الجوية المتكررة على سومي وضواحيها. وسمع دوي صافرات الإنذار والانفجارات على فترات منتظمة في أرجاء المدينة الواقعة على بعد 30 كيلومتراً فقط من روسيا.
ودخل الجيش الروسي هذه المنطقة مباشرة بعد بدء الحرب في شباط/ فبراير 2022. ولكن تم طرده على نحو مفاجئ بعد أسابيع.
وفي نهاية هذا الأسبوع أشار الجيش الأوكراني إلى أن المنطقة كانت الأكثر عرضة للغارات الجوية الروسية، رداً على الهجوم الذي يطاول روسيا.
تقول تيتيانا التي أسفت لاضطرارها إلى ترك المخللات التي قضت الصيف في إعدادها "لقد سويت القرى الحدودية بالأرض، لم يعد هناك شيء".
وعلى رغم من عمليات الإجلاء والتهديد بالانتقام الروسي، بدا الوضع هادئاً نسبياً في الأيام الأخيرة في سومي التي كانت تعد نحو 250 ألف نسمة قبل الحرب. ويلهو الأطفال في نافورة مياه بوسط المدينة فيما يستمتع الناس بتناول وجبة العشاء على شرفات المطاعم.
وأقر ميكولا، وهو عامل متقاعد غادر قريته خوتين البعيدة نحو 10 كيلومترات من الأراضي الروسية، بأنه تألم لمغادرة منزله، لكن عملية التوغل الأوكرانية في منطقة كورسك رفعت من معنوياته. وقال الرجل السبعيني "دعوهم يدركون ما هي الحرب، إنهم الروس لا يعرفون ما هي"، مضيفاً "فليذوقوها".