في المشهد السياسي العراقي، يعتبر الانجذاب نحو مراكز القوة والتأثير ظاهرة طبيعية تتكرر في مختلف مجالات الحياة، سواء كانت سياسية أو اقتصادية، أو حتى اجتماعية. هذه الديناميكية تتجلى بوضوح في التحركات الأخيرة التي شهدتها الساحة السياسية العراقية، حيث قررت كتلتا “العزم” و”السيادة” دعم محمود المشهداني لمنصب رئيس البرلمان، متجاهلتين سالم العيساوي، الذي اكتفى بدوره بنشر النشيد الوطني “موطني” كإشارة ربما على تراجعه عن السعي لهذا المنصب.
هذه الخطوة لم تكن مفاجئة، بل جاءت نتيجة لتحولات إستراتيجية داخل تلك الكتل، التي تسعى دائمًا لاختيار الشخص الذي يمثل مصالحها بشكل أفضل أمام القوى السياسية الأخرى، خاصة القوى الشيعية المهيمنة. وبالفعل، عاد المشهداني إلى الساحة السياسية مدعومًا بتاريخه السياسي الغني وعلاقاته القوية مع شخصيات بارزة في المشهد العراقي.
في الوقت ذاته، نجد أن كتلة “تقدم”، التي تعتبر الأكبر بين الكتل السنية، وقيادتها لجبهة سنية جديدة ضمت الجماهير الوطني والمشروع الوطني والحسم والإرادة والصدارة، قد قررت بدورها دعم شخصية، وبحسب ما سُرب للإعلام، زياد الجنابي، وهو المقرب جدًا من محمد الحلبوسي ويحظى بالقبول عند باقي الكتل، إلا أن ذلك لن يكون كافيًا أمام صخرة الإطار.
وعلى الرغم من هذا، لا تزال الجبهة السنية تتأنى في إعلان مرشحها بشكل رسمي، مع تداول اسم زياد الجنابي كمرشح محتمل. ويبدو أنها تسعى لاختيار اللحظة المناسبة للإعلان، رغبة في تعزيز موقفها التفاوضي مع الإطار الذي لم يبد مرونة واضحة في آخر اجتماع له عقد في منزل العبادي.
ومع ذلك، تواصل الكتل الشيعية ممارسة الضغوط على القوى السنية للإسراع في ملء منصب رئيس البرلمان، خاصة بعد استبعاد الحلبوسي من المنصب بقرار من المحكمة الاتحادية العليا، مما أدى إلى زيادة التوتر السياسي الحالي.
كل هذه التحركات تعكس حقيقة أن التحالفات السياسية في العراق ليست ثابتة، بل تتغير باستمرار وفقًا لمصالح وأهداف كل طرف، مما يبرز الطابع المتقلب للسلطة في البلاد. وهذا ما أثبته المتحدث باسم السيادة، التحالف المستبعد عن الجبهة هو والعزم الغريم الرسمي لتقدم، إذ أفصح خالد المفرجي في لقاء تلفزيوني عن شبه طبخة كان قد أعدها التحالف مع ريان الكلداني، استولى فيها الأخير على الكثير من المناصب، اعترف فيها المفرجي أنها ليست من استحقاقه، رغبة من الخنجر في الحصول على كركوك وكذلك منصب رئاسة البرلمان. لكن ما أتى به اللبن فهو له، فقد ضاعت كل الفرص أمام السيادة الذي عاد وأعلن في وقت سابق دعمه لمرشح تقدم السابق محمود المشهداني، الذي يعد عمودًا من أعمدة الصدارة. وهذا أيضًا غريب وغير مفهوم، فلماذا يدعم السيادة شخصية داخل الجبهة ويعلنها علنًا ويستغني عن مرشحه الأول سالم العيساوي؟