لا تزال تداعيات الجلسة التي عقدها البرلمان العراقي يوم الأحد الماضي مستمرة على خلفية "الكتلة الأكبر" التي يعود لها تشكيل حكومة جديدة في البلاد.
ففي بيان فجر الأربعاء، أكد "الإطار التنسيقي" الذي يضم أحزابا وتحالفات شيعية (أغلبها قريب من إيران ومعارض لكتلة التيار الصدري)، أنه ماض بالاعتراض عليها لدى المحكمة الاتحادية، في تكرار لسيناريو الانتخابات النيابية، الذي جرى قبل أشهر، وثبت في النهاية تصدر كتلة الزعيم الشيعي مقتدى الصدر نتائج الانتخابات بـ 73 نائبا.
كما ألمح إلى "أزمة سياسية ومجتمعية قد تمنع نجاح أي جهد حكومي أو برلماني في تحقيق مطالب وتطلعات الشعب "، وفق تعبيره.
فهل ستطيل خلافات "البيت الشيعي" أمد تشكيل حكومة جديدة في العراق؟
لا شك أن التجاذبات السياسية اللامتناهية لا تزال تطغى على المشهد السياسي العراقي، بعد المشادات والفوضى التي سادت جلسة البرلمان الأولى التي عقدت بعد ثلاثة أشهر من الانتخابات التشريعية المبكرة، لتزيده تعقيداً وغموضاً، وتجعل مصير الحكومة شبه مجهول.
خلفية هذا التوتر
أما خلفية هذا التوتر فباتت واضحة للجميع ألا وهي "من يملك الكتلة الأكبر" وبالتالي من بيده تسمية رئيس الحكومة، الممثل الفعلي للسلطة التنفيذية والذي يقتضي العرف أن يكون شيعياً.
ففي حين أكدت الكتلة الصدرية التي حازت على أكبر عدد مقاعد أنها هي من تملك الكتلة الأكبر عبر تحالفات مع المكونات السنية، لا سيما تحالف تقدم الذي ينتمي إليه رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، والكردية لا سيما الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم في إقليم كردستان.
أصرّ الإطار التنسيقي في المقابل، على أنه هو من نجح في تشكيل الكتلة الأكبر عبر تحالفات لم يعلن عنها وقدّم "88 اسماً"، كما قال مصدر في الإطار التنسيقي لوكالة فرانس برس.
مصير الحكومة؟
وقد عقدت تلك الخلافات بلا شك ولادة الحكومة، ورسمت العديد من السيناريوهات المقلقة حول إمكانية حصول عنف وتوترات على الأرض.
ففي العراق جرت العادة أن تنبثق الحكومة عن توافق الأطراف الشيعية البارزة. لكن في سابقة، لا يبدو أن ذلك قابل للتحقق في ظل الهوة في البيت الشيعي مع تشديد كل طرف على أن له اليد العليا في تسمية رئيس الحكومة.
ويشي إصرار كل من الطرفين بأشهر طويلة من الانتظار أيضاً.
وتعليقا على تلك المعطيات، أوضح المحلل السياسي العراقي حمزة حداد أن "انتخاب الحلبوسي في اليوم الأول يؤشر إلى أن الصدر" إلى جانب تقدّم والحزب الديمقراطي الكردستاني، "سيعملون معاً في المستقبل".
كما أضاف "بالتالي، نظرياً، يمكن لهم الدفع باتجاه انتخاب مرشحهم لرئاسة الجمهورية واختيار مرشحهم لرئاسة الوزراء".
إلى ذلك، أوضح أن ترشيح رئيس الوزراء المقبل "مرهون بالكتلة الأكبر، فإذا قدم التيار الصدري قائمة من نوابه ومعها تواقيع من الحزب الديمقراطي الكردستاني وكتلة تقدم سيكونون هم من يرشح". وتابع "لكن إذا بقي الأمر محصوراً بالبيت الشيعي فالإطار التنسيقي هو من يرشح رئيس الوزراء المقبل".
مزيد من عدم الاستقرار؟
إلى ذلك، رأى أنه "ما لم يسوِّ الطرفان خلافاتهما ويتجها إلى تشكيل كتلة واحدة، وهو أمر ترحب به الأحزاب السياسية الأخرى لتفادي مزيد من النزاع، فمن الصعوبة بمكان أن يسمح واحد من الطرفين للآخر بهدوء، بالتفرد في تشكيل الحكومة من دون الطرف الآخر". لذا فإن العنف بالتالي غير مستبعد في المرحلة المقبلة.
بدورها، أشارت الباحثة في مجموعة الأزمات الدولية لهيب هيغل إلى أنه في حال نجح التيار الصدري بتشكيل حكومة أغلبية، أو نجح الإطار التنسيقي بتثبيت نفسه كالكتلة الأكبر، ففي كلتا الحالتين "لن يحاول الطرف الآخر إسقاط الحكومة بالطرق القانونية والسياسية، بل سيصعد بعنف".
كذلك، اعتبر حداد أن "الخشية الأكبر تبقى في حصول تقاتل بين الفصائل المسلحة، فالصدريون يملكون فصيلاً مسلحاً، والأطراف المختلفة في الإطار، لا سيما تحالف الفتح، لديهم أيضاً فصيل مسلح".
يذكر أنه منذ صدور نتائج الانتخابات، حاول الفتح، الذي سجل تراجعاً كبيراً في الانتخابات (17 مقعداً مقابل 48 في البرلمان السابق)، الدفع باتجاه إلغاء النتائج. فتظاهر مناصروهم لأسابيع طويلة أمام بوابات المنطقة الخضراء. وبلغ التوتر ذروته بمهاجمة مقر إقامة رئيس الوزراء بثلاث طائرات مسيرة، إلا أن القضاء عاد وقال كلمة الفصل بشأن الانتخابات مثبتا النتائج السابقة.
العربية