في خريف عام 1882، كان الزعيم الوطني المصري أحمد عرابي يقف في الإسماعيلية متأملاً قناة السويس ويتخيل أساطيل بريطانيا العظمى وهي تتقدم للقضاء على الحركة الوطنية المصرية التي كان يقودها، فخطرت له فكرة ردم قناة السويس لتعطيل وصول البوارج الحربية البريطانية عبر القناة لاحتلال مصر.
وبعد أيام قليلة، وفي مثل هذا اليوم قبل 142 عاماً، اقتحم الأسطول الإنكليزي القناة، وخاضة معركة قصيرة لم تتجاوز 30 دقيقة في موقعة التل الكبير، قتل خلالها آلاف الجنود المصريين الذين تفاجؤوا من الاختراق البريطاني للقناة التي كانت في وضع محايد.
لم ينفذ عرابي فكرة ردم قناة السويس بعد ان قطع المهندس الفرنسي فرديناد ديليسبس، الذي كان يشرف على قناة السويس في ذلك الوقت، وعداً له بعدم السماح للإنجليز بالدخول إلى مصر عبر القناة، ولكنه أخلف ذلك الوعد، وسمح للقوات الأجنبية بدخول البلاد عبر القناة.
كتب الإمام المصري الشيخ محمد عبده بشرح فيها محنة عرابي: "عرابي اعتمد على ديلسبس في حماية القنال، وكان يظن أن مس القنال يهيج عليه جميع الأمم لهذا ترك هذه الناحية عوراء، وعندما أحس ديلسبس بأن الجيش المصري قد يتحرك ناحية القنال كتب تلغرافًا لعرابي يقول له: من المستحيل أن عساكر الإنجليز تمر من القنال".
في الأسبوع الأول من آب/أغسطس كان عرابي قد أرسل محمود فهمي باشا لبناء ما يمكن بناؤه من الاستحكامات عند التل الكبير والصالحية، وبعض المواقع الأخرى، كما أرسل بعض القوات فرابطت على مقربة من الإسماعيلية.
وفي العشرين من آب/ أغسطس بلغت السفن الإنجليزية بورسعيد، وكان عدد رجال الحملة نحو 30 ألفًا، وفي هذا اليوم احتل الإنكليز بورسعيد واقتحمت السفن الحربية قناة السويس، لكن المعركة الفاصلة لم تحدث بعد.
بحسب الوثائق التارخية، أرسل عرابي إلى ديلسبس في هذا التاريخ يقول: "حيث إن الإنجليز اعتدوا على حياد القناة؛ فقد صارت مصر مضطرة إلى سدها وتعطيلها لمنع عدوانهم عليها".
لقد أورد الكاتب محمود الخفيف، في كتابه "عرابي الزعيم المفترى عليه" الصادر عام 1947، وقائع مفصلة استند فيها على مذكرات عدد كبير من القادة البارزين المعنيين بهذه الأحداث، من بينهم مذكرات عرابي نفسه، ومذكرات ضباط بريطانيين.
لم تكن خطوط الدفاع في التل الكبير متينة كخطوط كفر الدوار؛ لأنها أنشئت على عجل، وقد عمل في إنشائها آلاف الفلاحين، وكانت عبارة عن خنادق جافة تمتد نحو ستة كيلو مترات.
وكان جيش عرابي لا يزيد عن 12 ألف جندي من الجنود النظامية و70 مدفعاً. أما الجيش البريطاني فكان يتألف من 13 ألف جندي و60 مدفعًا.
واستمرت المعركة نحو 40 دقيقة، وكان القتلى من المصريين نحو ألفين، أما الجرحى فلم يحصَ عددهم لفرارهم، وأما الإنجليز؛ فقد قتل منهم 57 فقط.
ألقى البريطانيون القبض على عرابي، وحكم عليه بالإعدام ثم خفف للنفي الى سريلانكا لينتهى الأمر بأن تقع مصر تحت الاحتلال البريطاني.
يقول مؤلف كتاب "عرابي المفترى عليه": الحق أن عرابي لم ينخدع بأقوال ديلسبس وإنما كان هناك اعتبار على قدر عظيم جدًّا من الأهمية.. فقد كانت إنجلترا تصور عرابي وأنصاره أنهم عصاة مخربون للتجارة والمصالح الأوروبية بدون تخريب القناة، فكيف يكون الحال لو أن عرابي أقدم على ردم القناة في ذلك الحين؟