ككل سنة ومع نهاية شهر مارس، أي نهاية أول فصول السنة، تجدد النقابات الكبرى عقود الرعاية الصحية السنوية «التأمين الصحي» مع الشركات المتعاقدة معها. ومن كبرى النقابات تلك الخاصة بالمحامين والمهندسين، التي يتخطى عددها عشرات الآلاف بين المنتسبين وعائلاتهم والأقرباء الراغبين الإفادة من حسومات تحصل عليها المجموعات الكبيرة.
هذه السنة الأمور واضحة، لجهة الدفع بالدولار النقدي «الطازج»، او ما يوازيه بسعر الصرف في سوق التداول الخاصة غير الرسمية. وقد شكا كثيرون، وخصوصا من المتعاقدين مع شركة التأمين الخاصة بنقابة المحامين من عدم تمكنهم من إجراء فحوصات طبية ومخبرية خارج المستشفيات في عقد التأمين الخاص بـ 2021، لرفض غالبية المراكز الطبية والمختبرات استقبال حاملي بوالص التأمين الخاصة بالنقابة، جراء الخلاف على احتساب التعرفة بين شركة التأمين الخاصة بالنقابة والمراكز والمختبرات.
ويعود الخلاف الى ان دفع قيمة بوليصة التأمين أساسا كان بـ «الدولار اللبناني» المعروف بـ «اللولار» الذي كان سعره محددا بـ 3900 ليرة لبنانية، قبل رفعه في القسم الأخير من العام الماضي الى ثمانية آلاف ليرة.
لكن اللافت في العقود الحالية في النقابتين الكبريين وغيرهما، إقبال أفراد جدد من الأسرة على التأمين من أهل وأشقاء، كانوا يكتفون سابقا بالاعتماد على الضمان الصحي (الرسمي) اللبناني وتعاونية موظفي الدولة وصناديق التعاضد. الا ان «الزمن الاول تحول» بعد رفض غالبية المستشفيات استقبال مرضى يعتمدون التغطية الصحية في تلك المؤسسات، واشتراطها تحميل المضمونين فيها الفوارق المالية الكبرى.
وحدها الأمراض المزمنة كالسرطان وغسيل الكلى، لا زالت مشمولة بتغطية صحية تصل الى 90% في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وتعاونية الموظفين (للمتقاعدين والعاملين في الخدمة حتى تاريخه). في حين تختلف التعرفة في بقية الحالات، «لأن سعر صرف الدولار لمرضى الأمراض المزمنة محدد بـ 1500 ليرة، فيما يختلف الأمر مع بقية المرضى ولا يقل سعر الصرف عن 23 الف ليرة»، بحسب موظف في مكتب الدخول في مركز طبي عريق في بيروت، تشدد في رفض الكشف عن اسمه واسم المركز «خشية على مصيري الوظيفي (...)».
في المركز عينه، أنهت مريضة جلسة شهرية خاصة بعلاج السرطان، تمت تغطيتها بالكامل تقريبا مع دفع ذويها فارقا لم يصل الى 100 الف ليرة لبنانية. الا ان المريضة احتاجت الى دخول المستشفى بعد معاناتها آلاما في الورك تبين انه لا علاقة لها بالسرطان، فطلب الى ذويها وضع مقدم مالي «دفعة على الحساب» بقيمة نحو مليون ونصف ليرة لدخول طوارئ المستشفى، ثم دفع ايجار غرفة في الدرجة الأولى مع احتساب فارق الضمان لعدم وجود أسرة خاصة بالضمان في الدرجة الثانية. وبلغت التعرفة المسددة مسبقا 35 مليون ليرة ثمن ليلتين مع فحوص طبية.
والواقع ايضا ان مستشفيات أخرى لا تتقيد بالتغطية الرسمية للأمراض المزمنة، اذ تحتسب فوارق إضافية من جيوب المرضى وذويهم بحجة عدم توافر أدوية معينة غالية السعر. وتطالب ذوي المرضى تأمينها، فيجهدون للحصول عليها، بأسعار مرتفعة يغيب عنها الدعم الحكومي.
أسفرت هذه الأمور عن إقبال غير مسبوق من مضمونين جدد على شركات التأمين الخاصة. والأخيرة كانت ترفض انضمام مسنين وتطالب الذين تخطوا سن الأربعين بالخضوع لفحوص طبية، مع استثناء الذين يعانون ارتفاعا في الضغط من التغطية لتلك الحالات.
الآن تبدلت الأحوال، وبات البحث عن الدولار النقدي من شركات التأمين موازيا للبحث عن الرعاية الصحية من المرضى. وهذه الحالة متوافرة للقادرين على الدفع. اما الذين يجهدون لتحصيل قوتهم اليومي، وتسديد فواتيرهم الشهرية من مصاريف مأكل ومشرب وهاتف وانترنت، فيشعرون بالرهبة أمام عتبة المستشفيات ويدعون الله ان يجنبهم المرض، لأن لا قدرة لديهم على المواجهة النقدية قبل الصحية!
الأنباء الكويتية