رأى المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالفقر المدقع وحقوق الإنسان أوليفييه دي شوتر في تقرير أن "الأعمال المدمرة للقادة السياسيين والماليين في لبنان هي المسؤولة عن دفع معظم سكان البلاد إلى الفقر، في انتهاك للقانون الدولي لحقوق الإنسان".
ولفت بيان لمركز الاعلام للأمم المتحدة في بيروت، الى أن "تقرير البعثة إلى لبنان يتبع تقصي الحقائق وتحقيق في الأسباب الجذرية والآثار المترتبة على أسوأ أزمة اقتصادية ومالية شهدتها البلاد في التاريخ".
وقال دي شوتر: "لقد تم دمج الإفلات من العقاب والفساد وعدم المساواة الهيكلية في نظام سياسي واقتصادي فاسد مصمم لإخفاق من هم في القاع، ولكن لا يجب أن يكون الأمر كذلك".
وأشار الى أن "المؤسسة السياسية كانت على علم بالكارثة التي تلوح في الأفق لسنوات لكنها لم تفعل شيئا يذكر لتلافيها. حتى أن الأفراد المرتبطين جيدا قاموا بنقل أموالهم إلى خارج البلاد، بفضل الفراغ القانوني الذي سمح بتدفق رأس المال إلى خارج البلاد. يجب البحث عن الحقيقة والمساءلة من باب حقوق الإنسان".
ومع الانتخابات البرلمانية في 15 مايو، دعا خبير الأمم المتحدة "الحكومة المقبلة إلى وضع المساءلة والشفافية في قلب ومحور أعمالها، بدءا من الكشف العلني عن مواردها المالية وتضارب المصالح ومطالبة مسؤولي البنك المركزي بالقيام بالمثل".
ولفت إلى أن "الأزمة الاقتصادية التي من صنع الإنسان في لبنان بدأت في عام 2019، واليوم يقف البلد على شفير الانهيار". واستشهد بالتقديرات الحالية التي تضع أربعة من كل خمسة أشخاص في فقر.
وأوضح دي شوتر أن "الروابط السياسية مع النظام المصرفي منتشرة، مما يشير إلى مخاوف جدية بشأن تضارب المصالح في تعاملهم مع الاقتصاد ومدخرات الناس".
وقال: "لا توجد مساءلة مضمنة في خطة الإنقاذ الأخيرة، وهي ضرورية لاستعادة الثقة المفقودة لدى السكان والقطاع المالي. نحن نتحدث عن ثروة وطنية ملك للشعب في لبنان، بددت على مدى عقود من سوء الإدارة والاستثمارات في غير محلها من قبل الحكومة والبنك المركزي. سياسات البنك المركزي، على وجه الخصوص، أدت إلى دوامة هبوط العملة، وتدمير الاقتصاد، والقضاء على مدخرات الناس مدى الحياة، وإغراق السكان في براثن الفقر. ووجد تقريري أن المصرف المركزي وضع الدولة اللبنانية في مخالفة صريحة لقانون حقوق الإنسان الدولي".
أضاف: "القيادة السياسية بعيدة تماما عن الواقع، بما في ذلك اليأس الذي خلقته من خلال تدمير حياة الناس. لبنان هو أيضا أحد أكثر البلدان تفاوتا في العالم، لكن القيادة تبدو غير مدركة لهذا في أحسن الأحوال، ومرتاحة له في أسوأ الأحوال".
وشدد على أن "هناك نقصا خطيرا في آليات الحماية الاجتماعية القوية"، وقال: "في الوضع الحالي، إنه نظام يحمي الأغنياء بينما يترك الأسر الفقيرة تعول نفسها بنفسها. لقد تم تدمير الخدمات العامة، بما في ذلك الكهرباء والتعليم والرعاية الصحية، مع وجود دولة تدعم بشكل كبير توفير القطاع الخاص لهذه الخدمات. يذهب أكثر من ربع نفقات التعليم العام إلى القطاع الخاص، مما يؤدي إلى تفاقم عدم المساواة، ولا يؤدي إلى تعليم أفضل، ويؤدي إلى ارتفاع معدلات التسرب بين الأطفال من الأسر الفقيرة".
أضاف: "أكثر من نصف العائلات أفادوا بأن أطفالهم اضطروا إلى تخطي وجبات الطعام، وأن مئات الآلاف من الأطفال خارج المدرسة. وإذا لم يتحسن الوضع على الفور، فسيتم التضحية بجيل كامل من الأطفال".
وانتقد خبير الأمم المتحدة "عقودا من نقص الاستثمار في نظام الرعاية الصحية العام والإلغاء الجزئي المشين للحكومة للاعانات على الأدوية الأساسية". وقال: "لا تزال الأدوية تعاني من نقص حاد، كما ارتفعت أسعار أدوية الأمراض المزمنة أربعة أضعاف على الأقل، وهي عقوبة إعدام شبه مضمونة لمن هم في أمس الحاجة إليها".
وأشار البيان الى أنه "على الرغم من ندرة بيانات الفقر الرسمية - التي لا تجمعها الحكومة بشكل منهجي، ويرجع ذلك جزئيا إلى نقص التعداد السكاني منذ عام 1932 - تشير التقديرات إلى أن الفقر متعدد الأبعاد تضاعف تقريبا بين عامي 2019 و 2021، مما أثر على 82 في المائة من السكان العام الماضي".
وذكر أن "تقرير الأمم المتحدة وجد أن اللاجئين الفلسطينيين والسوريين يواجهون ظروفا معيشية كارثية في لبنان، حيث يعيش 88 بالمائة منهم في ظروف معيشية دنيا. ما يقرب من نصف العائلات السورية تعاني من انعدام الأمن الغذائي. إن محنة اللاجئين الفظيعة هي نتيجة مباشرة للتدابير الإدارية والقانونية التي تفرضها الدولة، والتي تواصل تهميشهم وإلقاء اللوم عليهم في فشلها في توفير السلع والخدمات الأساسية للسكان، سواء أكان التعليم أو الوظائف اللائقة أو الشرب الآمن الماء أو الكهرباء".
وقال شوتر: "إذا أردنا استعادة الثقة بمستقبل أفضل، يجب على الحكومة تعزيز التفتيش المركزي، وتحرير الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد من التدخل السياسي المحتمل، وضمان الرقابة المستقلة على كهرباء لبنان، وترسيخ المساءلة والشفافية في خطة الإنعاش".
ودعا "الحكومة المقبلة إلى الالتزام بتحسين سجلها في مجال حقوق الإنسان في جميع المجالات من خلال الحد من عدم المساواة، ومكافحة الفساد والإفلات من العقاب، وبناء أنظمة حماية اجتماعية وتعليمية ورعاية صحية قوية ومرنة، ووضع المصلحة العامة فوق المصلحة الخاصة".