قبل حوالى عشرة أيام من موعد فتح صناديق الاقتراع، كان الاشتراكيون يستعرضون كلّ السيناريوات الممكنة والتي قد تفرزها الانتخابات، انطلاقاً من الاحتمال الأكثر سوءاً وهو أن ينخفض عدد «اللقاء الديموقراطي» من تسعة نواب إلى سبعة، مروراً بالاحتمال المقبول وهو أن يصير العدد ثمانية، وصولاً إلى الاحتمال الأكثر تفاؤلاً بالابقاء على العدد نفسه للكراسي التي تحيط بالطاولة المستطيلة الموجودة في مكتب تيمور جنبلاط حيث تعقد اجتماعات «اللقاء»... أي تسعة.
وإذ بساعات الفرز الاخيرة، تعطي «اللقاء الديموقراطي» تسعة نواب من جديد، توزّعوا على الشكل الآتي: تيمور جنبلاط ومروان حمادة وبلال عبد الله عن الشوف، أكرم شهيب وراجي السعد عن عاليه، فيصل الصايغ عن دائرة بيروت الثانية، هادي أبو الحسن عن بعبدا، ووائل أبو فاعور وغسان سكاف عن البقاع الغربي.
طبعاً، لم يحتلّ هذا السيناريو جانباً جدياً من حسابات الاشتراكيين نظراً للتحديات التي يفرضها قانون الانتخابات ولصعوبة المعركة التي كانوا يواجهونها في الجبل، بفعل التحالف العريض الذي شكّلته قوى الثامن من آذار. إلّا أنّ الحظّ أدّى دوراً كبيراً في مساندة الاشتراكيين، فأسقط طلال ارسلان بغير أيديهم، وأعطاهم قانون الانتخابات ما لم يتوقعوا أو ينتظروا، كالمرشح الأرثوذكسي في البقاع الغربي، فيما خرج فيصل الصايغ من «خرم» دائرة بيروت الثانية بفعل التنافس المحموم على المقاعد السنيّة، ما حرم خالد قباني من النيابة ولو أنّ لائحته نالت حاصلاً، مع أنّ الصايغ تجاوز الرقم المتوقع للأصوات التفضيلية التي كانت ترصدها الماكينة الاشتراكية.
يقول قيادي اشتراكي إنّ الحزب خاض معركة صعبة للغاية، لكنّه كان يدرك سلفاً كلّ تعقيداتها وتحدياتها، والتي تبدأ بالانهيار الحاصل على كلّ المستويات ولا تنتهي بالحصار السياسي الذي حاول الخصوم ضربه حول المختارة، واذ به ينقلب عليهم ليترك ورقة الميثاقية بيد وليد جنبلاط، رغم انضمام نائبين من «الحراك الثوري» إلى البرلمان الجديد، هما مارك ضو وفراس حمدان.
يشير القيادي إلى أنّ وليد جنبلاط كان يدرك تماماً صعوبة التعامل على الأرض مع الناس في هذه الظروف، لهذا وضع خطّة استثنائية مباشرة بعد أحداث 17 تشرين الأول تقضي بعدم ترك أهالي الجبل ومواكبة احتياجاتهم على كلّ المستويات، الصحيّة، التربوية، المعيشية... كذلك راعى الخطاب السياسي مقتضيات الناس وطموحاتهم ومخاوفهم، في حين كان نواب «اللقاء الديموقراطي» يحاولون مواكبة هذه الحركة من خلال ورشة تشريعية تحاكي تطلعات الناس. أما جولة تيمور جنبلاط في الأسابيع الأخيرة، والتي لم توفّر بلدة أو قرية، فقد ساهمت على نحو كبير في تقريبه من الناس وكسر هذا الحاجز ما أدى إلى تعزيز وضع الحزب لدى قواعده في الجبل.
فعلياً، يقول الاشتراكيون إنّ حملة الحزب «الاشتراكي» الانتخابية كانت بمثابة ورشة متكاملة، إنمائياً، تشريعياً وسياسياً. ولهذا أتت النتائج على مستوى التطلعات، بشكل بيّنت أنّ الحزب لا يزال هو الأقوى في الجبل، وقد شكّل رافعة للائحة في ظلّ انكفاء «تيار المستقبل» وتركيز «القوات» على مرشحيها، بدليل ما تقوله الأرقام.
ففي العام 2018، حققت اللائحة حوالى 99 ألف صوت، بينها حوالى 18 ألف صوت تفضيلي لكلّ من جورج عدوان وأنيس نصار. يومها كان «تيار المستقبل» شريكاً في تركيبتها حيث نال محمد الحجار حوالى 10 آلاف صوت تفضيلي. يوم الأحد الماضي، حققت اللائحة حوالى 83 ألف صوت بينها حوالى عشرين ألف صوت لكلّ من عدوان ونزيه متى. وهذا ما يبيّن أنّ الحزب «التقدمي» لم يفقد البساط من تحت قدميه، فيما قضم مارك ضو من كلّ الأطباق، أما حليمة قعقور فبنت نيابتها على أطلال «تيار المستقبل»، بينما يُرجّح أن تكون نجاة عون صليبا، أخذت من درب العونيين وتحديداً من طبق ماريو عون... وطبعاً غرف الثلاثة من معجن الاغتراب.
يرى الاشتراكيون أنّ أهمية هذه النتائج، تكمن بكونها تصدّت للحملة التي تعرّض لها الحزب، وقد عبّر عنها التحالف العريض الذي ضمّ «التيار الوطني الحر»- طلال ارسلان- وئام وهاب، والتي انعكست شدّاً للعصب عند الجنبلاطيين، وأعادت تكريس زعامة المختارة بعدما خاضت المعركة على نحو منفرد (القوات جيّرت أصواتها لمصلحة مرشّحيها)، ونجحت في إدارتها (تمّ توزيع الأصوات على نحو شبه متساو بين تيمور (12 ألف صوت تفضيلي) ومروان حمادة (11 ألف صوت تفضيلي) منعاً للخرق.
بالنتيجة، عاد «اللقاء الديموقراطي» إلى مجلس النواب «بيضة القبان» خصوصاً أنّه سيكون من الصعوبة على الكتلة التغييرية الجديدة أن توحّد صفوفها لتكون «البيضة الثانية»، فيما الأكثرية البرلمانية ستكون متحركة، وعلى «القطعة».
كلير شكر - نداء الوطن