اعتبر الرئيس فؤاد السنيورة ان "الذي جرى في هذه الانتخابات يكمن في حصول تحول في القناعات، وتبدل وتغير في المزاج العام لدى اللبنانيين نحو إعادة تسليط الضوء على المشكلة الأساس في لبنان، والتي هي بالفعل مشكلة سياسية. إذ أن الفساد في لبنان هو فساد سياسي، وهو في معظمه يتأثر بمسألة أساسية تتعلق بالسيطرة الكاملة التي أصبحت لـ"حزب الله" والاحزاب المؤتلفة معه على الدولة اللبنانية ومصادرتهم لقرارها الحر".
وقال في حديث الى تلفزيون "الشرق": هذا الأمر هو الذي دفع ويدفع اللبنانيين وتحت تأثير الأزمات الكبرى التي تعصف بلبنان والانهيارات المعيشية والاقتصادية. هذا فضلا عن تأثيرات العوامل الوطنية والسياسية التي أدت إلى حصول هذا التحول والتبدل في قناعات ومزاج اللبنانيين. وهذا هو الذي انعكس في حصول هذا التغيير في عضوية المجلس النيابي الجديد. وباعتقادي أن هذا الأمر يجب أن يمهد للقيام بعمل حقيقي على صعيد هذه المجموعة الجديدة من النواب السياديين من أجل تكوين تحالفات ولوائح وكتل نيابية تستطيع فعليا أن تضع فيما بينها تصورا صحيحا للمستقبل حول كيف يمكن مواجهة هذا التسلط والهيمنة التي يمارسها حزب الله على الدولة اللبنانية من أجل استعادتها وإقدارها على استعادة العافية للبنان.
اضاف: "المطلوب من جميع اللبنانيين ومن جميع الأحزاب أن يعودوا إلى الدولة وبشروط الدولة، وبما يقنع اللبنانيين من أن هناك إرادة حقيقية جامعة من أجل أن يصار إلى التصدي، ولمواجهة المشكلات التي أصبح لبنان في أتونها".
وردا على سؤال عن كيفية مواجهة "حزب الله"، قال: "بداية، لا بد أن أذكر هنا بأن السيد حسن نصر الله كان يتكلم قبل الانتخابات من أنه يريد أن يحصل على أكثرية ميثاقية، أي أكثرية تتخطى عدد جميع النواب الشيعة، وبالتالي لكي يحصل الحزب على ميثاقية من بقية الطوائف الممثلين في مجلس النواب، بما يتيح للحزب بزيادة تسلطه على القرار الوطني.
هذا أمر لم يتحقق كما أراد السيد حسن نصر الله. ولذلك، شاهدنا هذا التحول في الأعداد من النواب وأيضا في نوعية وقناعات هذه الأعداد، ولا سيما ممن هم من المجتمع المدني والسياديين، وهي الأعداد التي أدت بمجموعها إلى إحداث هذا التحول في الأكثرية النيابية لمن هم لا يتفقون مع توجهات "حزب الله" والأحزاب المؤتلفة معه. فبدلا من 72 نائبا حصلت عليه تلك الأحزاب المؤتلفة مع حزب الله في العام 2018 انخفض هذا المجموع إلى حوالى 60 نائبا، وبالتالي أصبحت الأكثرية الآن لدى القوى السيادية".
وتابع: "التحدي الكبير الآن، وبكل وضوح وصراحة، في أننا نحن الآن قد انتهينا مما يمكن تسميته بالجهاد الأصغر، والآن علينا أن ننجح في معركة الجهاد الأكبر، وهو أن يكون هناك موقف وطني متفق عليه ما بين هذه الفرقاء السياديين من أجل تكوين الحد الأدنى من القناعات، والتوافق على البرنامج المرحلي لكيفية خوض هذه المعركة السياسية والديمقراطية من أجل استعادة الدولة اللبنانية لقرارها الحر، وتمكينها من أن تباشر في حل الأزمات والمشكلات المتكاثرة على لبنان واللبنانيين من أجل استعادة النهوض والعافية. أكان ذلك العافية الوطنية أو السياسية، وكذلك أيضاً العافية الاقتصادية والمعيشية للبنانيين. هذه الأمور هي من الأهمية بمكان من أجل إعادة تسليط الاهتمام والمعالجات على جوهر المشكلة وليس فقط الاكتفاء بالحديث عن مظاهرها. وأهم مظاهرها هو الفساد السياسي ولكن أصلها هو سياسي في أن الدولة اللبنانية لم تعد فعليا تمثل في أدائها وعملها ما يريده اللبنانيون من أجل إيجاد الحلول لهذا الكم الكبير من المشكلات التي أصبح لبنان واللبنانيون في أتونها".
وعن رأيه بمجلس النواب الجديد، قال السنيورة: "في العام 2008، عندما حصلت القوى السيادية على 72 مقعدا في مجلس النواب، عمد حزب الله آنذاك وعلى لسان السيد غالب أبو زينب بالقول: "إذا كنتم تريدون أن تؤلفوا حكومة من الأكثرية، فإن هذه الحكومة سوف تبقى على الورق ان بقي هناك ورق في لبنان". الآن هناك متغيرات وتغير في المزاج وفي المقاربات والعقلية والقناعات لدى اللبنانيين. هذا الأمر يتطلب من الجميع أن يتعلموا من الدروس التي شهدناها وعانينا منها في العام 2009، والذي تمثل عندها بذلك التفلت من قبل قوى 14 آذار وانسحاب بعض أعضائها منها، وكذلك ما يتعلق بالممارسات غير المسؤولة. إذ قامت بعض هذه القوى السيادية بالتصرف بوحي من أمورها الصغيرة ومطالبها ومصالحها الصغيرة ومكاسبها الصغيرة متجاهلة القضايا الأساسية التي كانت تفترض بها أن تتحد مع بعضها البعض وتوجه كل جهودها من أجل الدفاع عن لبنان وسيادته".
اضاف: "الآن، لبنان كله قد أصبح في خطر، وهذا يقتضي من الجميع رؤية صحيحة وقرارا وطنيا قويا يوضح الصورة لدى اللبنانيين في أنه لا يمكن أن يصار إلى حل المشكلات الكبرى الوطنية والاقتصادية والمعيشية التي نعاني منها إذا لم يكن هناك مواكبة سياسية، بمعنى أنه يجب أن يعود الجميع للدولة وبشروط الدولة حتى تنتظم الأمور الوطنية والسياسية والاقتصادية والمعيشية".
وتابع: "نحن لدينا استحقاقات كبرى علينا أن نتحضر لمواجهتها، الاستحقاق الأول انتخاب رئيس مجلس نواب وانتخاب نائب رئيس مجلس نواب، وبعد ذلك مباشرة من أجل إجراء الاستشارات النيابية الملزمة ليصار إلى تكليف من سوف يتولى تأليف الحكومة. وأيضا الاستحقاق الثالث هو انتخاب رئيس جمهورية جديد الذي يجب أن ينتخب خلال أشهر أيلول او تشرين الأول. وأيضا هناك مجموعة من القرارات الأساسية التي على الحكومة والمجلس النيابية اتخاذها، وتتعلق بجوهر العملية الإصلاحية في الكثير من القضايا الإدارية والاقتصادية والمالية والنقدية ومسائل الحوكمة الصحيحة للدولة اللبنانية".
وأكد "ان كل هذه الامور يجب أن ينظر إليها الآن بجدية، ولا سيما بسبب طبيعة تركيبة هذا المجلس، وهي تتطلب فعليا موقفا واضحا وملتزما به وأيضا بعيدا من العنف بأشكاله كافة، والعودة إلى الأصول الدستورية والديموقراطية، بما يحقق تقدما نحو استعادة انتظام أمور الدولة اللبنانية".