شلّ إضراب موظفي القطاع العام اللبناني، أمس الاثنين، المؤسسات الحكومية في لبنان؛ حيث طالبوا بتصحيح أجورهم وبدلات النقل، بالنظر إلى أن رواتبهم لم تعد تكفيهم للوصول إلى مراكز العمل، فيما تفاقمت أزماتهم مع عجز الدولة عن صرف المستحقات والمساعدات المالية.
وتدهورت قيمة رواتب موظفي القطاع العام إلى أدنى مستوياتها بفعل الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد منذ أكثر من عامين وتجاوز سعر الدولار في السوق السوداء 30 ألف ليرة، فيما الرواتب لا تزال تصرف على سعر 1500 ليرة. واتخذت الحكومة خلال الأشهر الماضية إجراءات لتسيير المرفق العام، من بينها دفع مساعدات مالية، ورفع قيمة بدل النقل إلى 64 ألف ليرة يومياً، ما يعادل 2.3 دولار أميركي، وتخفيض أيام الدوام الرسمي في الإدارات التي تعمل بأقل قدر من الموظفين، لكن المساعدات لا تُدفع بانتظام على خلفية أزمة توفر السيولة اللازمة لدى مؤسسات الدولة.
وكان القطاع العام شهد تضخماً في أعداد موظفيه الذين ناهز عددهم 230 ألفاً، واستنزفت رواتبه قبل الأزمة نحو ثلث موازنة المالية العامة في البلاد، ما دفع المجتمع الدولي للطلب من الحكومة وقف التوظيفات في العام 2017، والتوقف عن تصحيح الأجور بأي شكل بعد إقرار سلسلة الرتب والرواتب في العام 2017 التي رفعت قيمة أجور الموظفين. وقوضت النقاشات الحكومية اللبنانية الأخيرة مع صندوق النقد الدولي للخروج من الأزمة المعيشية، أي مساعٍ لتصحيح الأجور، واستبدلتها الحكومة بمساعدات مالية للموظفين بهدف تأمين استمرارية العمل في الإدارات الرسمية.
غير أن تآكل الأجور، بفعل ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة، ورفع الحكومة الدعم عن المحروقات والاتصالات والمواد الغذائية والأدوية، أفقد الموظفين القدرة على الاستمرار، وكرروا تحذيراتهم بالإضراب، قبل أن ينفذوا ذلك أمس. والتزمت الدوائر الرسمية في مختلف المناطق بقرار رابطة موظفي الإدارة العامة بالدعوة إلى الإضراب المفتوح بدءاً من أمس «احتجاجاً على الأوضاع المتردية، وفي ظل تجاهل الحكومة لمطالبهم المعيشية، وفي مقدمتها تصحيح الأجور وزيادة بدل النقل وتحسين التقديمات»، حسب ما أفادت الوطنية للإعلام الرسمية، فيما سجل بعض الاستثناءات لتلبية الحاجات الملحة والضرورية للمواطنين. وعمّ الإقفال مختلف المناطق في العاصمة والشمال والجبل والبقاع والجنوب.
وأجرى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، أمس، اتصالاً بوزير المال يوسف خليل، تم خلاله البحث في ملف الأجور والمخصصات المستحقة للموظفين وضرورة دفعها في المواعيد المستحقة لها من دون تأخير. وأكد ميقاتي أن «حق الموظفين مقدس، والحكومة تتفهم صرختهم، وتسعى قدر الإمكانات المتاحة لتوفير مستلزمات الصمود في هذه المرحلة الصعبة»، مشدداً في الوقت نفسه «على ضرورة استمرار عمل إدارات الدولة والمؤسسات العامة وإنتاجيتها لتسيير شؤون الموظفين وتأمين الإيرادات التي تحتاجها الدولة».
وقال وزير العمل، مصطفى بيرم، بعد لقائه ميقاتي، إن «القطاع العام هو الأكثر معاناة وتضرراً اليوم»، لافتاً إلى أن ميقاتي أكد أن «موضوع الرواتب لا يمكن التساهل به لأن الرواتب، على هشاشتها، هي آخر ما تبقى من أمن اجتماعي»، مشيراً إلى أن «الرواتب ثابتة، وهناك بعض الإرباكات والتأخير الذي يطال الجداول بسبب قلة عدد الموظفين».
وطمأن بيرم الموظفين أنه «ممنوع المس بالرواتب وإلا ستنهار الدولة»، ودعا الروابط للاجتماع معها. وقال إن «الإضراب المفتوح، مع أحقيته، سيخلق إرباكاً، وسيؤثر على الواردات وعلى حركة الإدارة».
وتضغط النقابات باتجاه رفع قيمة المساعدات المالية الاجتماعية، وتصحيح بدل النقل. ويلتقي رئيس «الاتحاد العمالي العام» بشارة الأسمر برئيس الحكومة نجيب ميقاتي اليوم لمعالجة تلك الملفات. وقال الأسمر لـ«الشرق الأوسط» إن معالجة بدل النقل ووضعه في موضع تنفيذ «أولوية قصوى»، موضحاً أن السلطات اللبنانية أقرت مرسوم رفع قيمة بدل النقل إلى 64 ألف ليرة، لكن عدم توفر الاعتمادات المالية حال دون تنفيذه، ولا يصرفه وزير المال خارج موازنة المالية العامة للعام 2022 التي لم يقرها مجلس النواب بعد. وأشار الأسمر إلى أن «المبالغ المقطوعة تحت اسم الحماية الاجتماعية لم تعد كافية»، علماً بأن الحكومة كانت أقرت مساعدة اجتماعية بقيمة نصف راتب شهرياً تتراوح بين مليون ونصف المليون (55 دولاراً) و3 ملايين ليرة (110 دولارات) شهرياً، وهو بند أدرج ضمن الموازنة التي لم تُقرّ.
وقال الأسمر إن هذا الملف سيناقشه في المجلس الاقتصادي والاجتماعي، يوم غد الأربعاء، مع وزير العمل؛ حيث سيطالب برفع بدل النقل للقطاعين الخاص والعام إلى 150 ألف ليرة يومياً (6 دولارات) ورفع قيمة المساعدات الاجتماعية لتصبح بين مليونين و6 ملايين ليرة شهرياً للقطاع العام.
وحدّد القانون في لبنان الحد الأدنى للأجور بـ675 ألفاً، وكان يساوي آنذاك 450 دولاراً عندما كان سعر الصرف 1515 ليرة لبنانية، لكنه لا يتخطى اليوم 25 دولاراً، وتقل قيمته عن قيمة صفيحة بنزين (20 لتراً). كما يتقاضى موظف الفئة الخامسة راتباً يوازي 950 ألفاً، أما راتب الفئة الرابعة فهو مليون و430 ألفاً، فيما يبلغ راتب الفئة الثالثة مليونين و200 ألف ليرة.
صعوداً، يبلغ راتب الفئة الثانية عند هامش 3 ملايين، وفي أعلى الهرم، يأتي راتب موظفي الفئة الأولى الذي يبدأ بـ4 ملايين ونصف المليون، وانخفضت قيمته إلى نحو 170 دولاراً. أما المستوى الأعلى للأجور الإدارية فيصل إلى 9 ملايين و85 ألفاً.
وينسحب تدني قيمة الرواتب على السلكين العسكري والقضائي، وتدنت أجور القضاة في أعلى مستوياتها بعدما كانت تساوي 6200 دولار قبل الأزمة، وينطبق الأمر نفسه على أساتذة الجامعة اللبنانية فكانت تبلغ قبل الأزمة 5617 فيما لا تتخطى 300 دولار اليوم، بينما تراجعت رواتب أفراد الهيئة التعليمية بشكل قياسي.
نذير رضا - الشرق الأوسط