فقدان المصارف دورها، وتحوّلها بين عشية الأزمة وضحاها إلى "زومبي بنك"، كلّف لغاية الآن خسارة 7500 مستخدم في القطاع وظائفهم. فبحسب آخر البيانات الصادرة عن مصرف لبنان، يتبيّن أن عدد العاملين في القطاع المصرفي انخفض من حدود 25941 موظفاً في نهاية العام 2018، إلى 18440 موظفاً في العام 2021. نسبة التراجع هذه المقدرة بـ 29 في المئة، قد ترتفع إلى نسب أعلى بكثير في حال استمرار أصحاب المصارف بـ"نفض أيديهم" من مسؤولية الانهيار، والإصرار بقيادة جمعيتهم "المتصدعة" على حماية أنفسهم عوضاً عن صون القطاع وحماية المودعين، ورعاية الموظفين الذين أفنوا سنوات عمرهم في خدمة الاقتصاد الوطني.
بين 20 و30 في المئة من الموظفين في القطاع المصرفي تركوا عملهم طواعية، بحسب ما يفيد رئيس "نقابة موظفي المصارف في لبنان" أسد خوري، "أما العدد المتبقي والمقدر بأكثر من 4000 مستخدم، فقد جرى صرفهم فردياً أو بمجموعات صغيرة، ووفقاً لمعادلة مقبولة بالنسبة لأغلبيتهم". ما ساعد على ذلك عنصران أساسيان:
الأول، تخطي البنوك بضغط من النقابة واتحاد الموظفين المادة 50 من قانون العمل التي تجيز للمؤسسة إعطاء تعويض صرف بين شهرين و12 شهراً. إذ لم تقلّ معظم التعويضات التي أعطيت عن 20 شهراً.
الثاني، إتاحة التعميم 151 سحب التعويضات على أساس 8000 ليرة للدولار، وذلك بعدما حوّلتها المصارف إلى الدولار على أساس سعر الصرف الرسمي ووضعتها في حسابات المصروفين.
المشكلة أن العنصرين اللذين يجري الصرف على أساسهما راهناً متحركان وغير مضمونين. فانعدام الرؤية الواضحة عند جمعية المصارف لمستقبل القطاع ورفضها تجديد عقد العمل الجماعي وفقاً لقواعد عادلة في الاستخدام والصرف من جهة، وإمكانية توقف التعميم 151 في أي لحظة من جهة ثانية، تطرح أسئلة جدية عن مصير المصروفين في المستقبل. ولا سيما مع ما يكتنف القطاع المصرفي من غموض، والتوقع بأن يكون عدد المصروفين أكبر بما لا يقاس مع بدء إعادة الهيكلة الجدية. وبحسب خوري فإنّ "مستقبل آلاف الموظفين الذين يعيلون عشرات آلاف العائلات مرهون بكيفية التعامل في أي خطة مع القطاع المصرفي مستقبلاً. وهناك فرق كبير بين ايجاد الحلول للمصارف المتعثرة، وبين إفلاس القطاع ككل. ففي الحالة الثانية لن يبقى موظف في مجمل المصارف".
فقدان المستخدمين في المصارف الأمن الوظيفي، وخشيتهم من الطرد في أي لحظة، يترافقان مع ظروف عمل أقل ما يقال فيها إنها لم تعد مريحة. فعدا عن كونهم "الاسفنجة" التي فرض عليها امتصاص نقمة وغضب المودعين، فهم يعانون تراجع التقديمات، ولا سيما منها الصحية. ففي حين تتعمّد إدارات المصارف تحويل ضمانهم الصحي إلى اللولار أو حتى التهديد بوقفه، باتوا يحاربون على أكثر من جبهة للمحافظة على أقل مستحقاتهم الصحية وإبقائها بالدولار، ولا سيما مع ما تشهده المؤسسات الضامنة من انهيارات.