يحتار الوسط السياسي اللبناني في البحث عن العامل المقرر في نقل لبنان من حال الإضطراب والفوضى إلى مسار الحد الأدنى من الاستقرار المطلوب من أجل إطلاق خطة تعافٍ اقتصادي، بدءاً بترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل، الذي يعطي الاتفاق عليه جرعة أمل للبنانيين وقد يدفع المهتمين بالاستثمار في البلد، إلى التحضير لاحتمال قيام ورشة جديدة فيه، لأنه يفتح الباب على بدء عمليات التنقيب والاستخراج في السنوات القليلة المقبلة، قد تساهم في إنعاش اقتصاده المأزوم.
فمرّة يجري رهن إنجاز الترسيم بإجراء الإنتخابات الرئاسية في لبنان بين الأول من أيلول و31 تشرين الأول ومرة يجري ربطه بالانتخابات المبكرة في إسرائيل في شهر تشرين الثاني المقبل، ومرة يتم استعجاله وإنجاح الوساطة الأميركية بالانتخابات النصفية في الولايات المتحدة الأميركية، حتى صار يصح القول إن لبنان محاصر بين ثلاثة انتخابات ومصيره معلق عليها.
تتساوى التقديرات المتناقضة حول كل من المحطات الثلاث في ميزان القراءات المتعددة.
يعتبر البعض أنه من الأفضل للدول المعنية بالترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل أن تنهي الخلاف بينهما على الخط 23 والجزء الذي يتخطاه من حقل قانا قبل نهاية ولاية الرئيس ميشال عون، لأن رئاسة الجمهورية هي المرجعية الأساسية في التفاوض على الترسيم، كون الحكومة مستقيلة، وسط احتمال حصول الفراغ الرئاسي الذي قد يمتدّ أشهراً ما يحول دون إنهاء المفاوضات في وقت تستعجله واشنطن من أجل تمكين إسرائيل من مباشرة استخراج الغاز من حقل «كاريش» حيث باتت مرتبطة بمذكرة تفاهم مع الاتحاد الأوروبي لتصدير غازها إلى دوله تعويضاً عن جزء من الغاز الروسي.
وفي المقابل هناك من يعتبر أن واحداً من أسباب المماطلة في الاتفاق على الترسيم تأجيل هذا الإنجاز ريثما يتم انتخاب رئيس الجمهورية الجديد ولإعطاء دفع للعهد الرئاسي المقبل ولعلاقة الرئاسة مع دول الغرب. كما أنه يفترض أن يسبق إنجاز الترسيم إقرار الإصلاحات المطلوبة من قبل صندوق النقد الدولي، في المجلس النيابي، لتكون أمام رئيس الجمهورية خريطة طريق لتنفيذ هذه الإصلاحات، تتبعها عملية الترسيم حتى تبدأ الشركات الملتزمة التنقيب في البلوك رقم 9 وتلزيم باقي البلوكات، وفقاً لقانون الشراء العام الجديد الذي يضع ضوابط تضمن الشفافية.
أما بالنسبة إلى الانتخابات المبكرة في إسرائيل، فعلى رغم توقعات بعض التسريبات الإسرائيلية بأن يتم التوقيع قريباً على الصيغة الأخيرة التي يعمل عليها الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين (الخط 23 مستقيماً مع ضمانات أميركية مكتوبة بحصول لبنان على عائدات حقل قانا كاملاً)، خلال الأسابيع المقبلة، ارتفعت أصوات في الأوساط الإسرائيلية تتحدث عن صعوبة تقديم التنازلات المطلوبة من حكومة يائير لبيد قبل أشهر قليلة من انتخابات الكنيست. المتفائلون بإنجاز الترسيم خلال أسابيع يراهنون على ضغوط واشنطن على تل أبيب لاعتقادها أن أرباحه أكثر من خسائره بكثير. من يستبعدون موافقة إسرائيل يرون أن الخصم الرئيسي للبيد ولنفتالي بينيت وسائر أحزاب الائتلاف الحاكم، بنيامين نتانياهو، سيستفيد من تقديم هذه التنازلات في حملته الانتخابية ضد التحالف الحالي الذي أخرجه من رئاسة الحكومة، ما يسمح له بحصد نتائج قد تعيده إليها. وبالتالي يفضل حكام إسرائيل تأجيل الاتفاق إلى ما بعد العملية الانتخابية تجنباً لاتهام التحالف الحاكم الحالي بأنه قدم تنازلات تحت وطأة تهديدات «حزب الله».
في شأن الاستحقاق الانتخابي الأميركي ينسب مراقبون استعجال إدارة الرئيس جو بايدن الاتفاق على ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل وتمكين الأخيرة من استخراج الغاز، إلى خطة ذات بعد استراتيجي، لجعل غاز الشرق الأوسط بديلاً مقبولاً للغاز الروسي، وإن كانت كمياته لا توازيه في المرحلة الراهنة، على أن يشمل تعويض الجزء المتبقي من إيران على أمل إنجاح جهود استئناف المفاوضات على النووي في فيينا. وإنجاح هذا التوجه يساعد على خفض أسعار النفط والغاز وبالتالي التضخم الذي يعانيه الاقتصاد العالمي ولا سيما الأميركي، جراء أزمة الطاقة، ما يحسّن شعبية الحزب الديموقراطي في الانتخابات النصفية، ويقلل خسائره في مواجهة الحزب الجمهوري. مقابل هذه الحسابات لا تستبعد تقديرات بعض الأوساط أن تسعى طهران إلى الإفادة من ضعف الديموقراطيين في الانتخابات النصفية، وبالتالي أن تحول دون أي تحسن في شعبية بايدن، بحيث تتصلّب أكثر في مفاوضات فيينا، لمحاولة تحقيق مطالبها في الاتفاق على النووي، بعد الانتخابات الأميركية لاستكمال المفاوضات وإدارة بايدن أكثر ضعفاً... وبالتالي من مصلحتها المساهمة في عرقلة استخراج الغاز من «كاريش». فتهديدات «حزب الله» أدت إلى طرح فكرة تأجيل استخراج الغاز من «كاريش»، ما يعاكس حسابات واشنطن.
وليد شقير - نداء الوطن