فجّرها وليد جنبلاط، وقلب الموازين السياسية رأساً على عقب، لدرجة أنه سرق الأضواء السياسية والأمنية، وتصدّر مواقع التواصل الإجتماعي ليصبح الـ "ترند" "رقم واحد". رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي، بدّل مواقفه السياسية بطريقةٍ واضحة خصوصاً بما يخصّ "حزب الله"، الذي كان يحاول محاصرته قبل استحقاق الإنتخابات النيابية.
لا نبالغ إذا قلنا أن قلّةً قليلةً باستطاعتها فهم جنبلاط، حتى أقرب المقرّبين له، لكن ما لا شكّ فيه، أنه عندما يبدّل جنبلاط في مواقفه، فإننا أمام "تسوية" جديدة على الأغلب ستكون من صنع حليف جنبلاط الدائم، الرئيس نبيه برّي.
وفي هذا السياق، تكشف مصادر سياسية أن الرئيس نبيه برّي سيكون "عرّاب" الإستحقاق الرئاسي القادم، وهو الذي حارب انتقال العماد ميشال عون، من الرابية إلى قصر بعبدا تحت أنظار "حزب الله"، لكن هذه المرة برّي لن يُحيّد نفسه عن الملف الرئاسي، بل ستكون عين التينة هي جسر العبور لأي شخصية مارونية نحو القصر الرئاسي.
ووفق المصادر، كلّ المؤشرات تدلّ على أن برّي يُحضّر نفسه لقيادة الساحة السياسية نحو تأمين انتخاب رئيسٍ جديد للبلاد. الحزب أعلن أكثر من مرة أنه لم يبحث بعد بالإستحقاق الرئاسي رغم قرب موعده، فرنجية حليف برّي في السراء والضراء، لن يسير إلاّ وفق "تكتيك" رئيس حركة "أمل"، غالبية النواب السنّة المستقلون على علاقة طيبة بالرئيس برّي، وها هو جنبلاط يبدّل مواقفه ويفتح الطريق أمام حوارٍ مباشر مع "حزب الله" حتماً برعاية برّي.
بالعودة إلى مواقف جنبلاط "حديثة العهد"، تقول أوساط مقرّبة من المختارة أن جنبلاط يُحاذر في هذه المرحلة الوصول إلى صدام داخلي مع الحزب، ويعتبر أن الطائفة الدرزية ستكون في الخطوط الأمامية لأي صدام محتمل، لذلك يحاذر أن يكون هناك صدام بين الطائفة الدرزية و"حزب الله"، أي بين الدروز والشيعة.
وتلفت إلى أنه بإمكان المسيحيين رفع مستوى مواقفهم والذهاب بعيداً في المواقف التصعيدية من دون أن يكون هناك خطر إشكالات على الأرض مع الحزب وجمهوره، بينما في المقلب الدرزي، هناك دائماً خطر الإحتكاك في العديد من المناطق على طول خط الساحل من بيروت إلى الجنوب وفي منطقة الغرب في عاليه وعلى طريق بيروت شتورة وفي البقاع الغربي وحاصبيا في الجنوب.
وتشير إلى أن هذا التداخل الديمغرافي بين الدروز والشيعة، يجعل جنبلاط متسلّحاً بالمواقف الدبلوماسية غير الهجومية، رغم اعتراضه على الكثير من سياسات الحزب وهي بالعمق. لذلك يذهب دائماً نحو منطق محاورة "حزب الله"، وتارةً ينتقده وتارةً يحاوره، لكنه يحاور على قاعدة أنه مختلف وأنه لا يمكن ولن يصبح يوماً جزءًا من تركيبة الحزب.
وتوضح الأوساط، أن همّ جنبلاط مع الطائفة الشيعية مثل همّه مع المسيحيين تماماً، وهو الحفاظ على الحد الأدنى من السلم الأهلي وعدم جرّ الطائفة الدرزية إلى صدام هنا أو هناك، لذلك نراه متمسكاً بالمصالحة المسيحية الدرزية إلى أقصى الحدود وصولاً إلى مهادنة رئيس الجمهورية ميشال عون، تجنباً للضرر الذي يمكن أن يلحقه عون وتياره في التعايش الدرزي المسيحي. وفي المقلب الآخر ينتقد "حزب الله" ويعارضه، ولن يكون يوماً في عداد أصدقاء الحزب بالمعنى السياسي، لكنه في الوقت عينه، يُبقي قنوات التواصل والحوار وقنوات فكّ الإرتباط في مناطق التداخل والتوتر حاضرة دائماً من أجل أن لا ينزلق الدروز والشيعة إلى صدام على الأرض.
أمّا في ما يتعلق بالحلّ، تؤكد المصادر نفسها، أن جنبلاط، كما كلّ القيادات اللبنانية، لا يملك أي معلومات فوق العادة عن احتمالات حصول حلّ قريب. الصورة مشوّشة وغامضة بالنسبة لكلّ القيادات اللبنانية، ولا أحد يعلم ماذا سيحصل في الأشهر القليلة المقبلة.
محمد المدني - ليبانون ديبايت