يعتبر إيلون ماسك الرئيس التنفيذي لشركتي "تسلا" و"سبيس إكس" ومنصة "تويتر" سابقاً "إكس" حالياً، هو أحد أكثر رجال الأعمال نفوذاً في العالم وشخصية عامة بارزة مثيرة للجدل هذه الأيام في أمريكا. وهو معروف بمشاريعه في مجال المركبات الكهربائية واستكشاف الفضاء والطاقة المتجددة وهي مشاريع تتطابق عادة مع أجندة الديموقراطيين.
وتتهمه وسائل الإعلام الديموقراطية هذه الأيام بأنه قد يوصل ترمب للسلطة مجددا، وقالت عنه نيويورك تايمز بأنه منخرط في دعم حملة الرئيس السابق ترمب بشكل لا مثيل له في التاريخ الحديث.
وفي تحوله من اليسار إلى اليمين قصة يجب أن تروى لأنها قد تغير وجه السياسة الأمريكية لعقود.
وفي الحقيقة يعتبر التداخل السياسي مع عالم المال والأعمال في أمريكا قضية متشعبة جدا ومعقدة، وزاد ماسك من تعقيدها حيث تقلب في مواقفه وتحول بشكل حاد نحو اليمين وانتهت حتى الآن بتغيير أغنى رجل في العالم سياسته التي كانت تمتنع عن التبرع للمرشحين الرئاسيين إلى منفق لعشرات الملايين لصالح حملة ترمب، حتى إنه توقع دخوله السجن إذا انتصرت هاريس، رابطا مصيره السياسي ونجاحه الاقتصادي بترمب في مقابله قبل أيام مع تاكر كارلسون الإعلامي المحافظ والمثير للجدل أيضا.
ويعكس انقلاب ماسك من دعم الحزب الديمقراطي إلى الحزب الجمهوري اتجاهات غير مسبوقة في إعادة تنظيم السياسة الأمريكية، وخاصة بين قادة التكنولوجيا الأثرياء الذين عادة ما يميلون إلى دعم الحزب الديموقراطي.
وفي الحقيقة كانت آراء ماسك السياسية المبكرة داعمه للديمقراطيين حتى وقت قريب حيث ركز على التكنولوجيا والطاقة النظيفة، وكانت مسيرة ماسك وخاصة قيادته لشركة تسلا، متوافقة مع قيم العديد من الديمقراطيين الذين أعطوا الأولوية للطاقة النظيفة والابتكار. وقد نال عمل ماسك في مجال المركبات الكهربائية والطاقة الشمسية إعجاب السياسيين البيئيين التقدميين والتي كانت تهدف إلى الحد من انبعاثات الكربون ومعالجة تغير المناخ. وهذا جعله حليفًا طبيعيًا للديمقراطيين. وخلال إدارة أوباما، استفاد ماسك من الدعم الفيدرالي للطاقة المتجددة. وعززت الإدارة في ذلك الوقت سياسات قدمت حوافز للسيارات الكهربائية وتطوير الطاقة النظيفة، ما ساعد شركة تسلا على النمو خلال مراحلها المبكرة. ويعتبر الديموقراطيون أن لهم الفضل إلى ما وصل له ماسك حاليا.
وطوال العقود السابقة تبرع ماسك في المقام الأول للمرشحين الديمقراطيين والقضايا الديموقراطية، ودعم السياسيين الذين دافعوا عن سياسات المناخ والابتكار التكنولوجي.
لكن مؤخرا، بدأت إعادة تنظيم ماسك السياسي نحو الحزب الجمهوري تصبح أكثر وضوحًا. وساهمت عوامل عديدة في هذا التحول، وباعتقادي أن هناك أسباباً شخصية وسياسية واقتصادية متداخلة دفعته لاتخاذ القرار.
وفي نظري أن أحد أبرز العوامل لهذا الانقلاب الزلزالي هو ابنه الذي تحول جنسيا وأصبح امرأة حيث اعتبره ماسك ميتا وكان يتحدث بمرارة في مقابلة في يوليو مع عالم النفس الكندي، جوردن بيترسون، قائلا إنه تعرض للخديعة عندما أُجبر على توقيع وثائق طبية لتحويل ابنه إلى أنثى. معلنا في حديثه على أنه نذر نفسه لمواجهة وتدمير الفيروس المستيقظ الذي يربطه بالديمقراطيين اليساريين.
وعلى الصعيد السياسي، يعتبر ماسك من دعاة تقليل التنظيم والتدخل الحكومي وخاصة في أعماله التجارية. وبمرور الوقت، أصبح أكثر انتقادًا للسياسات الديمقراطية التي شعر أنها فرضت أعباء تنظيمية مفرطة على الابتكار. وخلال جائحة كوفيد-19 ، اصطدم ماسك مع المسؤولين الحكوميين والفيدراليين بشأن تدابير الإغلاق. وانتقد علنًا القيود التي أجبرت مصنع تسلا في كاليفورنيا على الإغلاق مؤقتًا، ووصف هذه التدابير بأنها "فاشية" ودعا إلى إعادة فتح الشركات في وقت أقرب مما أوصى به مسؤولو الصحة.
ورغم تصريح ماسك في مارس/آذار أنه لن يتبرع للحملات الرئاسية لأنه لا يريد التدخل ماليًا إلا أنه في السر، كان قد ناقش بالفعل كيفية هزيمة الرئيس بايدن، الذي كان آنذاك المرشح الديمقراطي المفترض وفقا لمصادر في إدارة بايدن وهو مالم يغفره له بايدن.
وعندما تولى بايدن منصب الرئيس قال ماسك لمجلة فورتشن إنه متحمس للغاية لأن الإدارة الجديدة تركز على المناخ. كما أعلن ماسك لاحقًا أنه صوّت لصالح بايدن في انتخابات الرئاسية عام 2020، ودعم حملة هيلاري كلينتون للرئاسة عام 2016 أمام ترمب لكن سرعان ما بدأ ماسك باستهداف سياسات بايدن مؤكداً أن سياسية بايدن تسيطر عليها النقابات وقال مازحاً إن بايدن لا يزال نائماً عندما لم يعلق البيت الأبيض على رحلة الفضاء التاريخية الخاصة لشركة سبيس إكس.
واعترض ماسك بشدة على تعامل بايدن تجاه شركات ماسك، خصوصا بعدما استضاف بايدن قمة في البيت الأبيض في أغسطس 2021 بشأن السيارات الكهربائية، وجمع فيها مدراء تنفيذيين من شركات فورد وجنرال موتورز متجاهلا شركة تسلا،
هذا الأمر بدا غريبا حيث يتم مناقشة مستقبل السيارات الكهربائية في أمريكا دون شركة تسلا أحد أكبر الشركات المصنعة لهذه السيارات في العالم.
وبعدها توسع الخلاف بين الرجلين بعد استهداف إدارة بايدن لماسك بما في ذلك التحقيق المستمر الذي تجريه وزارة العدل في برنامج القيادة الذاتية المثير للجدل لشركة تسلا.
وأصبح ملف حرية التعبير الابرز في الخلاف مع الديموقراطيين، حيث أعرب ماسك عن مخاوفه بشأن ما يراه رقابة متزايدة وقيود على حرية التعبير، وكانت مغامرة استحواذه على تويتر (الآن X) مدفوعة جزئيًا برغبة في تقليل ما اعتبره رقابة مفرطة، والتي يقول بأنها نابعة من اليساريين الديموقراطيين.
كما انتقد ماسك علنًا سياسات الضرائب الديمقراطية، وخاصة المقترحات بزيادة الضرائب على الأثرياء ووصفه بالغير العادل وهو ما وسع الفجوة بين الجانبين.
وفي عام 2022، أعلن ماسك علنًا أنه سيصوت للجمهوريين بعد سنوات من دعم الديموقراطيين الذين اتهمهم بالانجراف نحو التطرف في القضايا الرئيسية التي يهتم بها. ووصف ماسك الحزب الجمهوري بأنه الحزب الذي يمثل الآن بشكل أفضل قيمه الممتدة في حرية التعبير والحكومة المحدودة والنمو الاقتصادي.
وفي عام 2022 أيضا وعلى سبيل المثال لم يعلن أبدا عن دعمه لترمب بل سعى لدعم حاكم فلوريدا رون دي سانتيس لهزيمة ترمب ، وأجرى معه مقابلة مطولة على منصة إكس مشيدا بمواقفه المعروفة بمعارضته الخاصة لسياسة كوفيد-19 وتنظيم التكنولوجيا وحرية التعبير مما قدم أولى الإشارات إلى تفضيل ماسك للقيادة الجمهورية.
وحتى مع ترشيح الحزب لترمب لم يؤيده علناً إلا بعد محاولة اغتياله في بنسلفانيا قبل أسابيع، حيث أعلن ماسك دعمه الواضح لترمب وشارك معه في تجمع انتخابي في موقع محاولة اغتياله في باتلر بولاية بنسلفانيا الأسبوع الماضي، وتحدث أمام عشرات الآلاف من الحاضرين داعيا إلى ضرورة فوز ترمب أو خسارة الديموقراطية الأمريكية للأبد.
ومنذ ذلك الوقت كشفت العديد من التقارير الصحفية أنه يتحدث إلى ترامب عدة مرات في الأسبوع وفتح باب التمويل على مصراعيه لصالح عمليات التصويت لترامب وحتى انه قد استعد للقيام بتسجيل الناخبين الجدد وطرق الأبواب بنفسه في ولايات ساحة المعركة. وأنفقت لجنة العمل السياسي الأمريكية التابعة لماسك حوالي 80 مليون دولار لمساعدة ترامب، حسبما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز. وكانت ميزانيته الأولية المقترحة تتراوح بين 140 و180 مليون دولار.
وعرضت لجنة العمل السياسي الأمريكية التابعة له 47 دولارًا للمواطنين الذين يجندون الناخبين لدعم ترمب والجمهوريين وفقًا لصحيفة نيويورك تايمز.
كما استولى على اسم المستخدم @America غير النشط سابقًا على X للدفاع عن ترامب. كما ضخت لجنة العمل السياسي التابعة لماسك ملايين الدولارات لمساعدة مرشحي مجلس النواب الجمهوري في جميع أنحاء البلاد.
أكثر من ذلك وصل ماسك إلى حد السخرية من بايدن وكاميلا هاريس بالقول بأنه لا أحد سيستفيد من اغتيال بايدن أو هاريس، مضيفا أنه لا طائل من ذلك! بإمكانك إحضار دمية أخرى! في حديثه مع تاكر كالرسون وهو موقف أثار ردود فعل واسعة من الصحافة الأمريكية واتهموه بالتحريض على اغتيال قادة أمريكا.
وعلى الجانب الديموقراطي هناك أسف لخسارة ماسك وتحوله إلى الحزب الجمهوري وأعرب النائب الديموقراطي رو خانا في لقاء قبل أيام على شبكة الـCNN عن أسفه لأن حزبه فقد دعم رئيس شركة تسلا إيلون ماسك بسبب عدم الاهتمام به، وعدم الاحتفال به، قائلا: "أعتقد أن المكان الذي بدأ فيه الديمقراطيون يخسرون إيلون كان في الواقع بسبب أمور شخصية… تذكروا أنه كان من أنصار أوباما وبيل كلينتون. ونحن الحزب الذي يمثل جون كينيدي. وهذا يتعلق بالابتكار ويتعلق بريادة الأعمال".
وفي اعتقادي أنه إذا انتصر ترمب في السباق الرئاسي الحالي فسوف يكون مديناً بفوزه أو جزء كبير من هذا الانتصار لماسك الذي رمى بكل ثقله ونفوذه وأمواله لصالح عودته للبيت الأبيض مجدداً، لكن ستكون ثروة ماسك وشركاته صيداً سهلاً للديموقراطيين في الكونغرس الذين لن يغفروا له إعادة ألد خصومهم إلى السلطة مجدداً!.