الكويت وفلسطين.. تواصل الدعم وغياب المشورة

نشرت صحيفة القبس في عددها الصادر يوم الاثنين السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2024، مقتبسات من ندوة عقدت في المعهد الدبلوماسي عن الكويت والقضية الفلسطينية، شارك فيها مساعد وزير الخارجية لشؤون الوطن العربي، ورئيس بعثة المنظمة الدولية للهجرة السيد مازن أبو الحسن، ومن أهم ما لفت نظري في تلك الندوة، تأكيد مساعد وزير الخارجية أن القضية الفلسطينية لا تزال متصدرة أولويات سياسة الكويت الخارجية، ومستمرة في موقفها الثابت والراسخ في دعم الفلسطينيين لنيل كل حقوقهم المشروعة وأهمها إقامة دولتهم المستقلة.

والحقيقة أن سياسة الكويت تجاه القضية رسمتها مواقف حكومة الكويت ودعم شعبها لهذا الملف قبل الاستقلال، وتطورت إلى عامل ثابت بارز في لائحة الأولويات الكويتية، ومنذ عام 1961، واصلت الكويت الوفاء بهذا العهد الذي تحول إلى ملف ثابت وحمله المسؤولون جميعاً لا سيما وزير الخارجية الشيخ صباح الأحمد الذي كان في دفاعه عن الموضوع أكثر الوزراء وضوحاً وأحرصهم على تواجد الملف في مباحثاته مع كبار المسؤولين في العالم، كان واضحاً جداً في بعض الاجتماعات، وما كان يشدني قوة القناعة العميقة التي يبرزها في حواراته مع رؤساء الولايات المتحدة وزعماء أوروبا، وكان لا يتخوف من احتمالات سوء الفهم لما يقصده في طرحه لآمال الشعب الفلسطيني.

ومن الواضح جداً أن هذا النهج تواصل مع تبدلات القيادة الكويتية دون أن يتأثر بتبدلات الزمن وتحولات الإقليم، وظلت الكويت أسيرة لهذا الملف تحمله بإيمان صادق، ولم تلتفت الكويت إلى حقائق التعامل العربي مع هذا الملف، فقد كانت الحكومات العربية الثورية تعمل وبقوة لتوظيف الملف لأهدافها، ساعية إلى تحالف مع قيادات منظمة التحرير لتبني موقف موحد، بلا شك يخدم هذه الأنظمة ويعزز دبلوماسيتها وأحياناً يحملها إلى عواصم لا تتقبل الطرح السياسي لهذه الأنظمة.

كان نظام بغداد يعمل لتسخير الملف لتحالف فلسطيني - بعثي، تستفيد منه القيادة العراقية في مسعاها للوصول إلى وضع قيادي داخل المجموعة العربية، كان ذلك واضحاً في نجاح بغداد في توظيف عرفات لتحقيق أهداف صدام حسين في الكويت وفي المنطقة، ولم يكن نظام بغداد يتردد في اللجوء إلى العنف وتخويف المنظمات الفلسطينية وملاحقة المترددين منهم، وكان أبو نضال ومجموعته آليات طوعها نظام صدام لخدمة أهدافه.

ولم يكن النظام السوري أقل حرصاً في تدجين المعارضين من القيادات الفلسطينية لتحقيق الائتلاف السوري - الفلسطيني، الذي كانت تريده سوريا لتبني النهج السوري في شكوكه بكل ما يطرحه من حلول، متقبلاً سياسة الانتظار التي قد تفتح أبواباً تتناسب مع فلسفة سوريا في توظيف الصبر انتظاراً للمفاجآت المناسبة لفلسفة سوريا ورؤيتها لحل القضية.

ولم يكن القذافي بريئاً في مساعيه للعبث بالقضية وتسخير بعض رجالاتها لخدمة أهدافه في العدائية القذافية لبعض الأنظمة العربية واستخفاف القذافي في أهليتها، وإذا كان نظام صدام حسين قاسياً في إخضاع بعض المنظمات فإن القذافي كان مولعاً برسم خطط تشبه الأفلام في تسخير ما يملك لإغراء بعض المنظمات الفلسطينية، وتبرز في الإطار حالة موسى الصدر وتصفيته بطريقة أفلام قطاع الطرق في الصحارى.

ونسجل مواقف دول شمال أفريقيا ومؤازرتها للقضية الفلسطينية تبرز فيها البعد الجغرافي لهذه الدول التي تؤكد سياسياً ومادياً بحماس المدرك لمحدودية الدور.

وظلت مصر لا سيما في عهد الرئيس حسني مبارك تسعى مدركة لأثقال الواقعية التي لا تسمح لقيادة واعية بان تضع آمالها في صيغ وأفكار من المستحيل ترجمتها إلى واقع، وكان الموقف المصري ويشاركه الأردن في منظوره، أقرب إلى قناعة دول الخليج لضرورات الواقعية في الصيغ المقترحة.

ومن هذا الانسداد في الوصول إلى حل مقبول تصاعد التباعد بين التجمعات الفلسطينية وتولدت منها منظمات لا يرضيها مسار منظمة التحرير الفلسطينية التي توافق على دولة في الضفة وغزة، وسعت هذه المنظمات المتشددة إلى تبني أسلوب العنف بعمليات انتحارية أفرزت ملاحقات اسرائيلية عنيفة للقضاء على هذه القيادات التي كانت اسرائيل تشجعها سرياً لإضعاف المنظمة.

وجاءت كارثة غزة من تلك العملية التي دبرتها حماس وتدمرت منها غزة وبكل ما فيها من شعب، وأرض، وبنية تحتية، وتنظيمات دولية كانت تخدم اللاجئين، وتوفر لهم فرص التعليم والتفوق.

وتتضاءل احتمالات الحلول السلمية مع إفرازات العنف وسيطرة اسرائيل على القطاع وتصاعد التدمير في الضفة الغربية من قبل المستوطنين العنصريين واتساع الاعتداءات الاسرائيلية على لبنان وتدمير آليات حزب الله والقضاء على قياداته لا سيما الزعيم حسن نصرالله ومساعديه وكوادر الحركة، ومن هذا الوضع المؤلم يدخل لبنان فصلاً جديداً يستدعي وحدة الطوائف وتأكيد الهوية الوطنية الشاملة، كما أثارت المستجدات في الملف الفلسطيني تساؤلات عن واقع منظمة التحرير الفلسطينية، وما ستكون عليه محتوياتها البشرية والسياسية، وعلاقتها مع الدول الكبرى لا سيما الولايات المتحدة.

هنا يأخذ بنا الموقف الكويتي من القضية إلى دور كويتي أكبر من الدور المعروف في دعم القضية، فلا شك بأن القيادة الفلسطينية بحاجة ملحة إلى مصدات تحميها من التآكل ومن التقزيم الذي يسعى له رئيس وزراء اسرائيل، ومن الاهمال الذي قد يظهر في المواقف الأوروبية، فالمطلوب الآن من الكويت ومن دول مجلس التعاون تبني الطرح القوي لمبادرة المملكة العربية السعودية والاعتراف المتبادل أبرز شروطه، اعتراف اسرائيل بقيام دولة فلسطينية، ونتوقع أن يتولد من الموقف السعودي المدعوم من مجلس التعاون ديناميكية فاعلة تفتح الطريق للاتفاق على دولة فلسطينية لا يريدها رئيس وزراء اسرائيل ولا يتحمل ذكرها المتطرفون في التشكيل الوزاري الاسرائيلي الحالي.

والواضح أن الوضع الفلسطيني الآن يحتاج إلى تبني المشروع السعودي انقاذا لما قد يحدث للشعب الفلسطيني من احتمالات الابعاد، فلا ثقة بالرأي العام الدولي، ولا نتوقع أي تحرك من المجموعة الأوروبية، ولا يمكن التكهن بما يحدث للسيد أبو مازن رئيس المنظمة الفلسطينية المثقل بالمخاوف من نكبات المستقبل، ويبقى الأمل القابل للتحقيق متمثلاً في الخطة السعودية لانقاذ فرصة العمر للشعب الفلسطيني.

ويعلو صوت الكويت في مؤازرة النهج السعودي تحقيقاً لحلم فلسطيني معقول، فالظروف الحالية تستدعي الواقعية، والانتقال من الدعم الكويتي المسجل تاريخياً من العطاء المتدفق إلى المعاضدة لمسيرة المنظمة نحو تحقيق دولة فلسطينية توفر الهوية للشعب الفلسطيني وتؤمن له الوطن الذي ضحى من أجله منذ 1947، فالواقع الميداني لا يحتمل التردد والاشتراطات، ونأمل أن يكون هذا النهج أبرز الخطوات التاريخية التي صاغتها إملاءات الواقع الفلسطيني والعربي والعالمي، وتحمل هذه الصيغة واقعية التنفيذ، وتدخل المنطقة إلى خريطة خالية من الحروب تؤمن للدول والهيئات التركيز على التنمية والتطور في منطقة خالية من دمار الحروب وتتميز بالتعاون مع أطرافها لتحقيق ديمومة الأمن والسلام.

القبس

يقرأون الآن