لماذا نتذكر السادات هذه الأيام؟

ذكّرنا الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى بالرئيس الراحل أنور السادات، حيث قال فى حديث عنه إنه فعل أشياء لم تُفهم حينها. والحقيقة أننا نتذكر السادات هذه الأيام التى انهارت فيها دول عربية، وضعف بعضها وتوسعت الفوضى واستعرت الحروب، وشُرِّد الآلاف من مواطنيها ودُمرت بيوتهم. ولكن لماذا السادات الآن؟ وما الدروس التى يجب أن نتعلّمها من هذا القائد الاستثنائى؟.

الإجابة واضحة، وهى أن الخيار الذى اتخذه هو الخيار الذى أثبت أنه الصحيح والصائب رغم حملة التخوين والهجوم المكثفة عليه حتى بعد اغتياله. وقد تعرض لحملات تشكيك وحفلات شتم حتى من أعضاء فى حكومته، وقد كان مصيبا عندما أبعدهم تماما عن مفاوضات "كامب ديفيد"، وحصر النقاشات بشخصه وبأسامة الباز. لقد كان يرى ما لا يرون ولديه أحلام أكبر وأبعد. ويتذكر بطرس غالى أن الرئيس السادات لديه هدف واحد وهو استعادة السيادة الوطنية لمصر عبر إعادة أرضه المحتلة واعتبار السلام خيارا استراتيجيا.

هنرى كيسنجر يصف السادات بأنه من أهم القادة السياسيين الذين عرفهم، ويعدّه من أهم رجال الدولة فى التاريخ الحديث. ويعرّف رجل الدولة الحقيقى بهذا التعريف المعبّر: "رجل الدولة هو الذى ينقل شعبه من المكان الذى هو فيه إلى مكان آخر مختلف لم يكن فيه. مهمة صعبة يقوم بها وحيدا". أى الذى ينقله من الماضى إلى المستقبل، من التأخر إلى التقدم، من الفوضى إلى الاستقرار والازدهار، ومن الحروب إلى السلام. والتاريخ يعلمنا أن شخصيات مثل مصطفى كمال أتاتورك ولى كوان يو ومارجريت تاتشر نقلت مجتمعاتها من مرحلة إلى مرحلة مختلفة تماما.

ويفرق كيسنجر بين حافظ الأسد والسادات. الأسد ماهر فى تقطيع المفاوضات إلى شرائح، حيث يتخذ مواقف متشددة فى البداية ويفاوض بعد ذلك لفترة طويلة فى اجتماعات مطولة مع مجموعات مختلفة من العسكر والمدنيين، فى الوقت الذى يحدد فيه السادات أهدافه الكبيرة بوضوح منذ البداية، ولا يهتم بالتفاصيل الأخرى ولا يطيل الوقوف عندها. الفرق أن السادات أيضا لم يكن يهتم بما يقوله عنه خصومه وناقدوه. لم يكن يهمه ما يقول عنه المثقفون المعارضون والساسة الغاضبون والطامحون والجماهير العاطفية، بل ما يحقق مصلحة بلده وما يدوّنه عنه التاريخ.

وإذا ألقينا نظرة على زعماء كانوا يهاجمونه فرطوا فى دولهم حتى انهارت أو أصبحت تحت الوصاية، ومجتمعاتهم التى أصبحت فى مهب الريح وتحت رحمة الميليشيات، نعرف جيدا ما دوّنه عنه التاريخ. رجل دولة استثنائى قرأ الواقع بشكل صحيح واتخذ قرارات شجاعة فى وقت حساس من أجل مصلحة وطنه، وكما قال الرئيس السيسى: "هزم خصومه وهو غير موجود!".

المصري اليوم

يقرأون الآن