عندما أعلنت إسرائيل الشهر الماضي أنها ستستهدف مؤسسة "خيرية" لبنانية مرتبطة بحزب الله تقدم قروضاً صغيرة، أثار ذلك بحثاً مكثفاً عن قائمة بفروع المنظمة.
وحاول الناس في جميع أنحاء البلاد معرفة ما إذا كانوا بحاجة إلى الفرار من منازلهم إن كانت على مقربة من أحد الفروع، قبل أن تبدأ إسرائيل في القصف.
واكتسبت جمعية القرض الحسن، وهي مؤسسة خيرية تقدم قروضًا صغيرة بدون فوائد، شهرة كبيرة على مدى العقد الماضي وسط العقوبات الأميركية وانهيار القطاع المصرفي في لبنان.
كما ضربت إسرائيل الهيئة الصحية الإسلامية، الممولة من حزب الله، والتي تدير مستشفيات ومراكز صحية في مختلف أنحاء البلاد، كما ضربت فرق البحث والإنقاذ التابعة لها، مما أسفر عن مقتل العشرات من عمال الإنقاذ.
وتقول إسرائيل إن حزب الله "يستخدم الهيئة الصحية الإسلامية كغطاء للأنشطة الإرهابية" وإن القتلى كانوا يقومون بأدوار عسكرية، الأمر الذي تنفيه الجمعية.
كما ضربت إسرائيل المباني التي تؤوي الأشخاص الذين نزحوا بسبب أوامر القصف والإخلاء.
وقد أثارت مثل هذه الهجمات شكوكاً واسعة النطاق هنا في لبنان بأن إسرائيل تستهدف السكان المدنيين المؤيدين لحزب الله،
أو ما يعرف هنا "ببيئة" حزب الله، أي القاعدة الاجتماعية للحزب.
وتعتبر علاقة حزب الله بهذه القاعدة الاجتماعية، التي تتركز في المناطق ذات الأغلبية الشيعية في الجنوب، وسهل البقاع شرقي البلاد، والضواحي الجنوبية لبيروت - منذ فترة طويلة مصدر قوة للحزب، ولكنه وضعها أيضاً في مرمى نيران أعدائه.
وتقول إسرائيل إن جمعية القرض الحسن تموّل الأنشطة العسكرية لحزب الله، وهو ادعاء تنفيه الجمعية، التي تقول إنها لا تلعب أي دور يتجاوز تقديم قروض صغيرة خالية من الفوائد للبنانيين العاديين، بما يتماشى مع حظر الشريعة الإسلامية لفرض الفائدة.
ما هو "محور المقاومة"؟
وفي أعقاب الضربات التي شنتها إسرائيل على فروع جمعية القرض الحسن في لبنان الشهر الماضي، قال وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك على موقع "إكس" إن إسرائيل "تدمر قدرة المنظمة الإرهابية على شراء الصواريخ وإطلاقها".
ومن منظور القانون الإنساني الدولي، يقول الخبراء إن جمعية القرض الحسن ليست هدفاً عسكرياً قانونياً بقطع النظر عن مزاعم إسرائيل بأنها تلعب دوراً في تمويل حزب الله.
ووفقاً لبن سول، المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب، فإن "القانون الإنساني الدولي لا يسمح بالهجمات على البنية التحتية الاقتصادية أو المالية للخصم، حتى لو كانت تدعم أنشطته العسكرية بشكل غير مباشر".
وقال سول إن القصف "يمحو التمييز بين الأهداف المدنية والأهداف العسكرية" و"يفتح الباب أمام حرب شاملة ضد السكان المدنيين".
فما الذي يمكن لإسرائيل أن تأمل في تحقيقه من خلال قصف المنظمات المدنية المرتبطة بحزب الله؟
تعتقد أمل سعد، المحاضرة في السياسة والعلاقات الدولية بجامعة كارديف والخبيرة الرائدة في شؤون حزب الله، أن الهجمات تهدف إلى تفكيك ما يُعرف أيضاً باسم "مجتمع المقاومة" لحزب الله.
وتقول سعد، "حزب الله هو على الأرجح ثاني أكبر مشغل بعد الدولة، وتؤثر مؤسساته المدنية على مئات الآلاف من اللبنانيين، وخاصة الشيعة، والهجمات تعد طريقةً لخنق المجتمع أكثر".
ولن تكون هذه هي المرة الأولى التي تتعرض فيها القاعدة الاجتماعية لحزب الله للهجوم، فخلال الحرب الأخيرة بين إسرائيل وحزب الله في عام 2006، سوّت إسرائيل أحياءً في الضاحية بالأرض، وبعد عامين، كشفت عن استراتيجية عسكرية مستمدة من تلك التجربة، التي أصبحت تُعرف باسم عقيدة الضاحية.
وتم التعبير عنها لأول مرة من قبل اللواء غادي أيزنكوت في عام 2008 عندما كان رئيس القيادة الشمالية للجيش الإسرائيلي، حيث دعت هذه العقيدة -كما أصبحت معروفة- إلى تطبيق "قوة غير متناسبة" ضد المناطق المدنية التي تعتقد إسرائيل أنها تتعرض للهجوم منها، بهدف الضغط على شعب لبنان لتأليبه على حزب الله وتقويض الدعم له.
وقال أيزنكوت في ذلك الوقت، "من وجهة نظرنا، هذه قواعد عسكرية.. وإن إيذاء السكان هو الوسيلة الوحيدة لكبح جماح حسن نصر الله"، في إشارة إلى زعيم حزب الله آنذاك، الذي قُتل في غارة جوية في الضاحية في سبتمبر/أيلول 2024.
والآن، تضرب إسرائيل السكان في مناطق بعيدة عن القتال، مثل الوردانية، شمال شرق صيدا، بالإضافة إلى ضرب شبكة حزب الله من المنظمات المدنية.
وفي رد على هيئة الإذاعة البريطانية، قال الجيش الإسرائيلي إنه "يعمل فقط ضد منظمة حزب الله الإرهابية، وليس ضد السكان اللبنانيين أو المرافق الطبية، وبالتالي يتخذ العديد من التدابير للتخفيف من الضرر الذي يلحق بالمدنيين".
وأضاف، "تم التخطيط لعمليات الجيش الإسرائيلي على أساس جمع معلومات استخباراتية مكثفة وبما يتفق تماماً مع القانون الدولي".
القرض الحسن
إن جمعية القرض الحسن ليست سوى واحدة من العديد من المنظمات المرتبطة بحزب الله والتي تمد مئات الآلاف من اللبنانيين بمختلف أنواع الدعم المعيشي، وخاصة أولئك الذين يشكلون قاعدة الحزب.
وتتشابك قصة الجمعية مع قصة الانهيار المالي والاقتصادي في لبنان.
وتأسست الجمعية في أوائل الثمانينيات، وكانت تقدم القروض للأسر والمتزوجين حديثاً، لمساعدتهم على تلبية احتياجاتهم الشخصية المختلفة، وفي الآونة الأخيرة، بدأت الجمعية أيضاً في تقديم قروض لأشياء مثل المشاريع الزراعية والألواح الشمسية.
وفي عام 2007، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على الجمعية، قائلة إنها تستخدم من قبل حزب الله "كغطاء لإدارة أنشطته المالية".
وقد تم تسليط الضوء عليها مرة أخرى في أغسطس/ آب 2019، عندما فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على بنك جمال ترست، مدعية من بين عدة أمور، أنه "يسهل عن علم الأنشطة المصرفية للكيانات التي حددتها الولايات المتحدة والمرتبطة علناً بحزب الله"، بما في ذلك جمعية القرض الحسن. واضطر البنك إلى الإغلاق بعد أقل من ثلاثة أسابيع.
ولكن العقوبات الأميركية، ثم انهيار القطاع المصرفي في لبنان في أكتوبر/ تشرين الأول 2019 تسببا في نمو الجمعية بشكل لم يسبق له مثيل. فنتيجة للعقوبات المفروضة على الأفراد والكيانات التي قالت الولايات المتحدة إنها مرتبطة بحزب الله، أغلقت البنوك اللبنانية حسابات الأشخاص الذين اشتبهت في أنهم قد يسببون لها مشاكل مع وزارة الخزانة الأميركية، وقد نقل العديد منهم أموالهم إلى جمعية القرض الحسن.
وثم، قام المزيد من الناس بإيداع الأموال في الجمعية بسبب انهيار الثقة في النظام المصرفي، بعد أن حجبت البنوك اللبنانية مدخرات الناس، في أعقاب الانهيار المالي والاقتصادي في عام 2019.
وانتهى الأمر بجمعية القرض الحسن، إلى أن تكون داعمةً للعديد من اللبنانيين الذين تم استبعادهم من النظام المالي بسبب العقوبات الأميركية، ثم لمزيد من الأشخاص الذين لم يكن لديهم مكان لإيداع مدخراتهم في أعقاب الانهيار.
الآن، العديد منهم من بين المليون أو نحو ذلك من النازحين المنتشرين في جميع أنحاء لبنان اليوم، معظمهم من الجنوب والبقاع والضواحي الجنوبية لبيروت.
ويتكدس العديد منهم معاً في ملاجئ تديرها الحكومة وفي مبانٍ فارغة، ويشاهدون بلا حول ولا قوة الكثير من قراهم ومدنهم وقد دمرتها القوات الإسرائيلية.
ويعيش أولئك الذين لا تزال منازلهم قائمة في ترقب للموجة التالية من القصف، بينما يخشى أولئك الذين لديهم ودائع لدى جمعية القرض الحسن الآن من أن مدخراتهم قد نفدت، في ساعة أشد احتياجهم لها.
ولقد تعرض النازحون أنفسهم للقصف، في مناطق بعيدة عن مناطق القتال، مثل قرية أيطو ذات الأغلبية المسيحية في الشمال، حيث قُتل 23 شخصاً في غارة جوية الشهر الماضي، والمجتمعات المضيفة لهم في جميع أنحاء البلاد تشعر بالقلق بشكل متزايد؛ ولا أحد يعرف متى وأين قد تضرب إسرائيل.
وأياً كان الاتجاه الذي يسلكه القتال على الأرض، فإن إسرائيل تمارس ضغوطًا على المجتمع اللبناني ككل، من خلال ضرباتها على المؤسسات المدنية مثل جمعية القرض الحسن.
ويرى البعض أن مثل هذه الهجمات قد تكون جزءاً من استراتيجية تهدف إلى تمزيق النسيج الاجتماعي في لبنان، وتحويل البلاد إلى بيئة معادية لحزب الله و"مجتمع المقاومة".