ما أقدمت عليه الحكومة الأسترالية في أقصى الأرض، لا بد أن يشغلنا هنا في أرض العرب، لا لشيء، إلا لأن الإقبال على مواقع التواصل الاجتماعي عندنا قد بات أكثر مما هو لازم، على نحو ما يبدو للعين المجردة.
والقصة أن أنتوني أليانيز رئيس الحكومة الأسترالية، أعلن أن حكومته تتجه إلى حظر هذه المواقع على الذين هم دون 16 عاماً. وقد برر قرار حكومته، بأن الوجود على مواقع التواصل، يؤدي إلى أضرار كبيرة لمن يقعون تحت هذه السن.
ومنذ أن أعلن الرجل عن توجه حكومته بهذا الشأن، انقسم الذين طالعوا حديثه إلى مؤيد، يرى ما يراه إليانيز ويحث عليه، ومعارض لا يرى ما يراه، ويقول إن الحظر أو المنع ليس هو الحل، لأن المحظور مرغوب، كما نقول نحن ونردد دائماً.
وليست أستراليا بدعاً في ما ذهبت إليه، فمن قبل أعلنت الحكومة السابقة للرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، شيئاً مماثلاً أو شبيهاً، ومن بعد حكومة ماكرون، كانت للقضية تجليات متنوعة في عواصم مختلفة، بخلاف عاصمة النور.
ولكن القاسم المشترك الأعظم بين الجميع، في فرنسا وفي أستراليا وفي غيرهما، كان هو القلق من التعرض الزائد عن الحد لمواقع التواصل، خصوصاً إذا كان المتعرضون لها من الأطفال، الذين يتشكل وعيهم في سن الطفولة.
وإذا كانت أستراليا قلقة على أطفالها الذين يتلقون تعليماً جيداً، كما تقول البيانات المتاحة عن تعليمهم، فماذا عن أطفال العرب، الذين لا تتلقى الغالبية منهم قدراً من التعليم، يمكن أن يمثل وقاية مسبقة لهم مما قد يلحق بهم على مواقع التواصل من أضرار؟.
إن أخطر ما في هذه المواقع، ليس فقط مضمونها الذي تبثه على مدار الليل والنهار، فهذا أمر مفروغ منه، ومتفق عليه تقريباً، ولكن الأمر الخطر أيضاً، إلى جانب المضمون الضار، هو سهولة استخدامها، وسهولة تداول ما تذيعه.
وسهولة البقاء ساعات في متابعتها، لأنها قائمة بين يدي مستخدمها في أي وقت، دون جهد يكاد يُذكر. وكيف لا تكون كذلك، وهي تجمع بين الصحيفة، والإذاعة، والتليفزيون، على شاشة واحدة، وفي وقت واحد؟.
ولا يمكن أن يكون رئيس وزراء أستراليا قد نام ثم قام ليقرر من تلقاء نفسه إلزام حكومته بما قرره، ولكن المتصور أن دراسات قامت على هذا الموضوع، فكشفت عما دفع الحكومة هناك إلى أن تتحرك، وأن تقرر، وأن تحول ما تفكر فيه إلى مشروع قانون، سيذهب إلى البرلمان نهاية هذا الشهر لاعتماده وتمريره.
وإذا كانت حكومة أستراليا قد وجدت مصلحتها في الحظر على الأطفال، فأغلب الظن أن قرارها سيجعل حكومات أخرى تنتبه، وسيجعلها تنظر ماذا ترى، أو ماذا تفعل؟، لأن مواقع التواصل أصبحت كأنها غول يبتلع كل الذين يتعرضون له، أو يتعرض هو لهم، ولا بد أن القرار الأسترالي يأتي بمثابة الصيحة التي تترامى إلينا من بعيد، لعلنا نأخذ بالنا مما قد يتعرض له أطفالنا هنا على المواقع من الأذى والضرر.
يبقى القول إن أليانيز أشار إلى شركات التكنولوجيا ومنصات التواصل الاجتماعي، ستكون هي المعنية بتنفيذ الحظر، لأنها هي التي تستطيع التعرف إلى سن مستخدمها، وأضاف أنها ستتعرض لغرامة من حكومته، إذا لم تلتزم بما سوف يجري إقراره في برلمان البلاد بهذا الشأن.
وقد سارعت شركة ميتا التي تملك إنستغرام وفيسبوك، إلى الإعلان عن أنها ستأخذ بما تراه الحكومة الأسترالية.. ويبدو أن ميتا سارعت إلى ذلك، من واقع درايتها بأن البرازيل حظرت منصة إكس قبل أسابيع، وفرضت غرامة كبرى عليها، ولم تسمح برفع الحظر عنها إلا بعد تسديد الغرامة.. فكأن رأس إكس الطائر، قد عَلّم ميتا الحكمة، جرياً على حكاية رأس الذئب الشهيرة.