زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المملكة العربية السعودية تمثل محطة مهمة في العلاقات الثنائية بين باريس والرياض، وتأتي بدعوة كريمة من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي يواصل قيادته الحكيمة لنهضة شاملة جعلت من المملكة محورًا دوليًا للسياسة والاقتصاد والثقافة. الزيارة، المقررة بين الثاني والرابع من ديسمبر، تعدّ زيارة دولة بأعلى مستوياتها الدبلوماسية، وهو ما يعكس التقدير الفرنسي للدور الريادي الذي تلعبه المملكة على الساحتين الإقليمية والعالمية. التوقيت يحمل دلالات استراتيجية، حيث تأتي الزيارة في لحظة مفصلية قبل تسلم الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترمب مقاليد الحكم، مما يبرز إدراك فرنسا لأهمية تعزيز العلاقات مع السعودية قبل أي تغييرات محتملة في السياسة الدولية.
كما أنها تأتي في ظل أوضاع إقليمية معقدة، حيث تثبت المملكة مرة أخرى أنها ركيزة الاستقرار والأمان في المنطقة، خصوصًا مع تصاعد الأزمات في غزة ولبنان. هذه القيادة السعودية الحكيمة جعلت من الرياض مقصدًا للشركاء الدوليين الباحثين عن التعاون في مواجهة التحديات.
ما يميز المملكة هو قدرتها الفريدة على المزج بين التراث العريق والرؤية الطموحة للمستقبل، وهو ما يظهر جليًا في رؤية 2030 التي أطلقها ولي العهد. تسعى هذه الرؤية إلى تحويل المملكة إلى مركز عالمي للاستثمار والثقافة والسياحة والابتكار، وهي أهداف تلهم دول العالم وتجذب الشركات الكبرى للتعاون. وفي هذا الإطار، تأتي زيارة ماكرون لتعزيز هذه الشراكة، خصوصًا بعد النجاح اللافت لمشاريع مثل تطوير محافظة العلا التي أصبحت اليوم رمزًا عالميًا للإبداع الثقافي والتاريخي. فرنسا، من جهتها، تدرك أن المملكة ليست فقط قلب العالم الإسلامي، بل أيضًا قوة اقتصادية كبرى تضطلع بدور حيوي في رسم مستقبل المنطقة. اللقاء بين ماكرون وممثلي 30 شركة سعودية في قصر الإليزيه دليل واضح على حرص باريس على جذب الاستثمارات السعودية وتعزيز التعاون الاقتصادي.
كما أن مشاريع البنية التحتية الكبرى التي تنفذها المملكة، مثل استضافة إكسبو 2030 وكأس العالم 2034، تمثل فرصًا هائلة للشركات الفرنسية للمشاركة في بناء هذا المستقبل المشرق. ولأن المملكة لا تقتصر على الاقتصاد فقط، بل تمتد لتشمل قوة دبلوماسية وسياسية رائدة، فإن زيارة ماكرون تتيح لفرنسا فرصة ثمينة للتعاون مع السعودية في مجالات مثل الدفاع والتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. السعودية، برؤيتها الواضحة واستراتيجيتها المتنوعة، أصبحت اليوم نموذجًا للدولة التي تجمع بين الثبات في المبادئ والمرونة في التوجهات، مما يجعلها شريكًا لا غنى عنه على الساحة الدولية. في ظل قيادة الأمير محمد بن سلمان، لم تعد المملكة تكتفي بلعب دورها التقليدي كأكبر مصدر للنفط، بل أصبحت مركزًا للتنوع والابتكار، مستثمرة في مستقبلها ومستقبل العالم. زيارة ماكرون ليست فقط تعبيرًا عن الاحترام، بل أيضًا اعترافًا بأن السعودية هي الوجهة التي لا يمكن تجاوزها في صياغة السياسات الدولية والاقتصاد العالمي. هذه الزيارة، التي تحمل طابعًا سياسيًا واقتصاديًا وثقافيًا، تؤكد أن المملكة ليست مجرد دولة، بل رؤية متجددة تجمع بين القيم الأصيلة والطموح اللامحدود. إن الشراكة بين باريس والرياض ليست مجرد تعاون ثنائي، بل نموذج عالمي للتآزر والتقدم.
عكاظ