ظلت الرياض على مدى أكثر من نصف قرن في عين مهندسها الملك سلمان بن عبدالعزيز، حدبه عليها، واهتمامه بها، وتركيزه على ما يطورها، وانشغاله بها عن غيرها، هي ما جعله والرياض لصيقان، وصديقان، وعاشقان، ومحبان، فكان أن تحولت من قرية إلى مدينة، ثم إلى واحدة من أكبر عواصم العالم بمساحتها، وسكانها، وتطورها.
وليس المقام مقام الحديث عن جهد متواصل، قام به الملك سلمان - أميرها على مدى أكثر من خمسين عاماً- فهذا موضوع محسوم ويطول رصده، وهو موثق بما لا حاجة إلى تكرار القول عنه، وهو من الثراء، وعظمة الإنجازات، وتنوع مسارات التطور، ما لا يمكن الإحاطة به في بضع كلمات، أو استعراضه على عجل يُخل بقيمته وأبهته، وأي وصف مهما كان سيظل دون الوصول إلى ما هي عليه الرياض الآن.
حديثنا اليوم عن أحدث إنجاز، وعن واحدة من مبادرات سلمان بن عبدالعزيز، عن قطار الرياض، عن النقل العام - بشقيه- عن هذا المشروع العملاق الذي كان بنات أفكاره، ورؤاه المتعددة، وقراءته لمستقبل الرياض، وما ستكون عليه حركة المرور الصعبة فيها إن لم يكن هناك استعداد للمستقبل في وقت مبكر بإيجاد وسائل أخرى غير ما هو قائم لفك الاختناقات، ومواجهة النمو السكاني، فكان قطار الرياض الذي افتتحه الملك سلمان الأسبوع الماضي، ويبدأ العمل فيه ابتداء من اليوم، على أن يكتمل الوصول إلى كل المسارات والمحطات في بداية الشهر القادم.
الوثيقة التي أعنيها، والوثيقة التي أقصدها في عنوان هذا المقال، خطاب أمير منطقة الرياض الملك سلمان إلى الملك عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله- وهي وثيقة عمرها 16 عاماً قدمها أمير منطقة الرياض إلى الملك لتطوير نظام النقل في مدينة الرياض بوصفه أمير المنطقة ورئيس الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، ونصها:
(سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -أيده الله-
* أتشرف بإفادة المقام السامي الكريم بأن مدينة الرياض التي تشهد نمواً سكانياً وتوسعاً عمرانياً وازدهاراً اقتصادياً كبيراً، بدأت تعاني من ازدحام شديد في الشوارع الرئيسية بالمدينة بسبب الزيادة المستمرة في حجم الحركة المرورية.
* في ضوء ذلك قامت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض بإعداد خطة شاملة بعيدة المدى لتطوير نظام النقل العام بمدينة الرياض.
* أولاً: تأسيس العمود الفقري لنظام النقل العام المتمثل بإنشاء قطار كهربائي.
* ثانياً: تنفيذ شبكة للنقل بالحافلات تغطي كامل مدينة الرياض، وتكون خدماتها متكاملة مع خدمات القطار الكهربائي، حيث يبلغ طول الشبكة 708كلم بالإضافة إلى الشبكة المحلية داخل الأحياء السكنية.
* وقد أنجزت الهيئة العليا إعداد التصاميم الهندسية والمواصفات الفنية ووثائق طرح هذه المرحلة في منافسة للتنفيذ.
وهكذا نرى أن بداية فكرة المشروع كانت بتاريخ 1-11-1430هـ الموافق 20-10-2009م وأن انطلاقتها كانت ثمرة اقتراح الملك سلمان ومتابعته وإشرافه منذ أن كان رئيساً للهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، وأميراً للمنطقة، فولياً للعهد، ثم خادماً للحرمين الشريفين، مما يؤكد على نظرته لمستقبل مدينة الرياض، واستشرافه لما ستصبح عليه، من خلال وضع مشاريع استراتيجية، وما سوف ينتج عنها من توسع عمراني، وارتفاع في عدد السكان.
كان الملك سلمان مهتماً بالتخطيط، وإعداد الدراسات اللازمة، والتصاميم الهندسية، والمواصفات الفنية، ووثائق طرح المشروع، قبل الرفع به إلى الملك عبدالله بن عبدالعزيز - رحمه الله - آنذاك، وبقراءة الخطاب (الوثيقة) يلاحظ استخدام الملك سلمان لعبارة (العمود الفقري) في وصف مشروع النقل العام بشقيه (الحافلات والقطار) كأول استخدام لهذا التعبير، وهو ما يدل على اهتمامه البالغ بهذا المشروع وأولويته.
واستمرار الرؤية نفسها والتنفيذ، رغم التغيير في المناصب دلالة أخرى على الثبات، والقيادة المؤسسية، إضافة إلى الثقة في القرارات، ليس هذا فقط وإنما كان هناك إيمان من الملك سلمان بأهمية التنسيق، والمواءمة، وحوكمة العمل، حيث أشارت الوثيقة إلى القيام بذلك مبكراً مع كافة الجهات ذات العلاقة بالمشروع، مثل وزارة المالية، ووزارة النقل، ومرور المنطقة، وأمانتها، كما أشارت إلى الاجتماعات التنسيقية التي تمت تمهيداً للرفع بفكرة المشروع.
ووجود الوثيقة يعزز بين الثقة بالنظرة المستقبلية للدولة، في تنفيذ المشروعات التنموية الكبرى بعيدة المدى، وذات الأثر الاستراتيجي المستدام على المواطن والمقيم، على أن المشروع كما هو واضح من الوثيقة عبارة عن نموذج متميز لتنفيذ المشاريع الكبرى التي تبدأ بخطط مُحكمة متدرجة، وتنتهي إلى واقع ملموس، بالرغم من كل التحديات أمام إنشاء أحد أضخم مشاريع النقل العام في العالم.
الجزيرة السعودية