بعد سقوط مدينة حماة السورية رابع كبرى مدن البلاد بيد "هيئة تحرير الشام" والفصائل المسلحة المتحالفة معها، فضلا عن سيطرتها على الريف الشمالي لحمص، يبقى السؤال الأبرز مطروحاً وهو ما الذي تريده تركيا من سوريا، عقب سعيها حتى وقتٍ قريب إلى إعادة تطبيع علاقاتها مع دمشق.
وهل دخل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على خط المواجهات العسكرية لاسيما بعد تصريحاته أمس الخميس التي طالب فيها نظيره السوري بإيجاد حلّ سياسي عاجل للوضع في البلاد.
لا شك أن الروايات تضاربت بشأن الدور التركي في عملية ما سمّي "ردع العدوان" التي أطلقتها الفصائل يوم 27 نوفمبر الماضي والتي أحكمت بموجبها قبضتها بالكامل على محافظات إدلب وحلب وحماة وصولاً إلى ريف حمص.
في السياق، قال المحلل السياسي التركي محمد زاهد غول إن "أهداف تركيا في سوريا تغيرت منذ نهاية عام 2016 من إسقاط النظام إلى حماية الأمن القومي التركي ومحاربة الجماعات الإرهابية المتواجدة في سوريا حسب المقاربة التركية، وبالتالي بدأت عملية درع الفرات ونبع السلام وغيرها من العمليات العسكرية المتتالية منذ عام 2016، ومنذ ذلك الوقت بدأت أيضاً في نفس السياق آليات خفض التصعيد وكذلك آليات البحث عن حل سياسي للأزمة السورية".
كما أضاف في تصريحات لـ "العربية.نت/الحدث أن "ضمن هذه المعطيات و المستجدات الحديثة أيضاً لا يمكن القول إن الأهداف التركية في سوريا تغيرت، وبالتالي الهدف التركي ينحصر حتى هذه اللحظة في إيجاد موطئ قدم لردع العدوان القادم من سوريا والذي يتمثل في الوقت الراهن حسب المقاربة التركية في المنظمات الكردية الانفصالية".
وتابع موضحا أن "الأهداف التركية تكمن في السيطرة على منبج خلال الأيام القادمة بعد السيطرة على تل رفعت في نفس السياق قبل أيام".
لكنه رأى أن "أنقرة ستحاول بطبيعة الحال الاستفادة من العمليات العسكرية من أجل فرض أوراق جديدة في الضغط لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية".
في المقابل، لا يتفق مدير المركز الكردي للدراسات نواف خليل مع قراءة المحلل التركي، قائلاً إن "تركيا تحاول تصوير المشكلة الكردية وكأنها مع بعض الأحزاب فقط، في محاولة لإخافة بعض الدول العربية من أنها مسألة انفصاليين، لكن في واقع الأمر منذ تأسيس أول حزب كردي في 14 حزيران 1957، وحتى الآن لم يطالب أي حزب كردي لا بالانفصال ولا بالاستقلال في سوريا" حسب قوله
كما أضاف لـ "العربية.نت" أن "مختلف الأحزاب الكردية تجمع على أن القضية الكردية تحل في سوريا من خلال دستور جديد، يعترف بحق الشعب الكردي، ويضمن خصوصية مناطقه".
إلى ذلك، رأى أن "لتركيا عدة أهداف في سوريا منها أن تكون مثلاً معبراً مفتوحاً أمام التجارة التركية وأن تعيد ملايين اللاجئين السوريين؛ وأن يقاتل الجيش السوري الكرد في الإدارة الذاتية".
من جهته، رأى المحلل السياسي التركي جواد جوك أن "أولويات تركيا كانت سابقا وحدة الأراضي السورية، لكن بعد العملية العسكرية الأخيرة عدنا إلى نقطة الصفر فإسقاط نظام الأسد على المدى البعيد بات هدفها الجديد".
وقال المحلل التركي لـ "العربية.نت" إن هناك دعما تركيا للفصائل المسلحة و"لدى تركيا هدف معلن" هو إخراج قوات سوريا الديمقراطية من الحدود التركية السورية، لافتاً إلى أن هناك أيضاً "مصلحة تركية إسرائيلية مشتركة" من العملية الأخيرة التي أطلقتها "الهيئة" وحلفائها وهو "إخراج إيران من المعادلة العسكرية في سوريا، بحيث تصبح تركيا القوى الضاربة في المفاوضات المرتقبة بينها وبين روسيا وإيران". وتابع أن "إسرائيل الآن تريد تقسيم سوريا، وكل التحركات العسكرية في الجرية تصب في مصلحة تل أبيب لتكون الحكومة السورية مشغولة بمواجهة المسلحين وغيرهم".
من ناحيته، علق المحلل السياسي السوري غسان إبراهيم على الوضع الميداني معتبرا أن "المفاجآت التي لم تكن متوقعة في حلب والآن في حماة وحتى حمص، وتحقيق الفصائل لهذا التقدم، يفتح الآفاق ويفتح الخيال لكل سوري ولكل طرف أن يتخيل ما يرغبه".
وتابع قائلا لـ "العربية.نت" إن "كثيراً من السوريين قد يشعرون بأن هناك بارقة أمل، وإن الفصائل قد تدخل حمص، ويصبح بالتالي الطريق معبداً وممهداً للذهاب مباشرةً إلى دمشق".
كما أشار إلى "هذا السيناريو سوف يدفع عددا من عناصر الجيش لعدم الدفاع عن العاصمة والذهاب إلى الساحل السوري لاسيما أن الساحل ليس مستهدفاً، بل دمشق بعد حمص، فبالتالي كل شيء مطروح ولكن الأمر يتعلق أيضاً بالحل السياسي وهناك خيارات كثيرة"، على حدّ تعبيره.
وكانت الفصائل سيطرت منذ الأسبوع الماضي على مدينة حلب، ثم حماة أمس، لتبسط سيطرتها اليوم الجمعة على الريف الشمالي لحمص أيضا، مقتربة من قلب المدينة.