كلما اقتربت نهاية الولاية، يوماً بعد آخر، تصبح أجوبة رئيس الجمهورية اكثر اقتضاباً وأحياناً غير كافية او شافية حتى. تكثر فيها علامات الاستفهام والشكوك التي يعزوها الى خشيته مما يُدبّر للمرحلة المقبلة بعد مغادرته قصر بعبدا.
ما يسع رئيس الجمهورية ميشال عون ان يؤكده ويجزم به واحد، هو انه سيغادر قصر بعبدا في اليوم الاخير في ولايته. اما ما لا يسعه ان يؤكده ويجزم به ايضاً، فيكاد يكون كل ما يحوط بالاستحقاق الرئاسي. من ذلك مغزى عبارة الرئيس «آمل في ليل 31 تشرين الاول أن يكون كل شيء طبيعياً كي اعود الى بيتي باطمئنان».
عندما يُسأل: هل تشكك؟
يجيب: «اكيد لدي شكوك».
وعندما يُسأل ايضاً عن علامات الاستفهام المحوطة بانتخابات رئاسة الجمهورية، يدرجها في مسائل ثلاث: تأليف الحكومة او استمرار حكومة تصريف الاعمال؟، انتخاب رئيس جديد للجمهورية او دخول فراغ «لا يعرف احد متى نخرج منه وكيف؟»، وكيف الوصول الى 31 تشرين الاول «اليوم الاطول والاصعب».
لا يقصر عون قلقه على شكوكه، بل ايضاً على التداعيات المحتملة:
1 ـ لا يمانع في بقاء حكومة تصريف الاعمال «لكنني افضّل اضافة ستة وزراء دولة سياسيين اليها. لسنا متأكدين كم سيطول عمرها مع الفراغ الذي يبشروننا به. من دون توافق على الحكومة الجديدة لن نصل الى اي نتيجة. لكن التوافق اساسه التوازن، وهذا ما لم يحصل حتى الآن. قلت للموفد الاميركي عاموس هوكشتين: انتم تريدون استخراج النفط وتريدون الامن، ونحن نريد استخراج النفط ونريد الامن وفوقه الاقتصاد. كي نصل الى ما يريده كل منا، علينا ان نتوافق. ذلك ما اقوله ايضاً للرئيس نجيب ميقاتي. لسوء الحظ ان اجتماعاتنا تفتقر الى المصارحة. ظاهر الكلام المعلن غير صحيح، ولذا المشكلة قائمة. انا جاهز في كل حين للاتفاق معه - اذا كان يريده - وفق معايير مشتركة بيني وبينه لتأليف الحكومة. ليس هو مَن يؤلفها بمفرده لأنه يعرف ماذا يقول الدستور عن توقيعي وأهميته ووجوبه، وليس لي ان افرض عليه شروطاً لأنه سيوقع بدوره مرسوم التأليف. عندما لا اتفاهم مع الرئيس المكلف لا يعود يزعجني ان لا التقيه».
يضيف: «لم اعتدِ يوماً على صلاحيات السلطة الاجرائية ولا على صلاحيات رئيس الحكومة. جُلّ ما في الامر انهم لا يريدون رئيساً يحكم. انا طبقت الدستور والقوانين على نحو ما اقسمت عليه. المادة 50 في الدستور التي تلزم الرئيس المنتخب اداء اليمين تضع التزام تطبيق القوانين جنباً الى جنب مع الدستور ولا تفرّق بينهما. ذلك ما فعلت. السلطتان الاجرائية والاشتراعية هما اللتان اعتدتا على صلاحيات رئيس الجمهورية».
2 - لا يمكن حكومة تصريف الاعمال «تولّي صلاحيات رئيس الجمهورية. ان يحصل ذلك لا يخالف الدستور فحسب، بل يعرّضنا لأزمة وطنية حقيقية قابلة للاشتعال. وصولنا الى هذا اليوم يعني ان على مفتعلي المشكلة تحمّل المسؤولية كاملة. أتمسّك بوجهة نظري هذه، وأصرّ على حكومة مكتملة المواصفات الدستورية، وأشجع الرئيس المكلف على الاتفاق عليها كي تكون قادرة على تحمّل عبء ما ينتظرها وكم من الوقت سننتظر للخروج منه. بقاؤها بصفتها الحالية - وكثيرون يروّجون لها - يعني اننا امام مؤامرة. اخشى ان يكون ثمة مَن يحضّر لليوم الاخير في ولايتي، 31 تشرين الاول، مؤامرة اشبه بانقلاب على النظام والدولة والرئاسة والدستور، انطلاقاً من حكومة تصريف الاعمال او اي سبب آخر. أخشى ايضاً ان يكون المقصود تغيير النظام. اذا تلكأتُ سأتهم بالتخلي عن مسؤولياتي الدستورية».
يضيف عون: «تعطيل تأليف الحكومة والجزم سلفاً بالفراغ من المؤشرات التي تنبئنا بهذه المؤامرة. لن اقول ماذا سأفعل. قراري المعروف مغادرة الرئاسة في نهاية الولاية. لكن حذار. خيوط المؤامرة بدأت من الآن، والأدهى ان تستمر الى ما بعد نهاية المهلة الدستورية والشغور. حتى قلقي على الامن لا استبعده. المؤشرات داخلية لكنها ايضاً خارجية. قد يكون بعض الخارج يريد الوصول الى هذه المحطة، والا ماذا يُفسَّر استمرار الحصار المالي علينا واستمرار ايصاد الابواب في وجهنا؟ اطرح اكثر من علامة استفهام حيال تواصل مقاطعة بعض الدول العربية لنا رغم ايفائنا بالتزاماتنا حيالها، وتبديد سوء التفاهم دونما ان يطرأ تحسّن على علاقاتنا بها كما لو انها لا تريده. مضت اشهر على ذلك ولا نزال تحت المقاطعة. هل ثمة ما يُضمر لنا؟».
3 - عندما يُسأل عن مغزى تأكيده العودة الى الرابية في نهاية الولاية وفي الوقت نفسه لفّه بغموض ما قد يحدث في اليوم الاخير، يفضّل الرئيس عدم الخوض في التفاصيل و«انتظار الساعة في ساعتها». الا انه يضيف: «قلت مراراً انني ساترك قصر بعبدا في اليوم الاخير. ازيد الآن انني سأترك القصر اذا كان يوماً طبيعياً لا احد يضمر فيه شراً. اذا شعرت بوقوع مؤامرة لن اقف مكتوف الايدي. صحيح انني لم اتسلّم الرئاسة من خلف، الا انني اتمنى ان اسلمها الى مَن يخلفني الذي يبحثون عنه الآن، وآمل في ان يُوفّقوا كي اباركه واسلمه الامانة. سأسعى بكل جهدي كي نصل الى انتخاب رئيس قبل نهاية المهلة الدستورية. اما ان يقع الفراغ، فحتماً لستُ انا مَن يتسبّب به ولن اكون مسؤولاً عنه. المسؤولية الظاهرة هي لمجلس النواب. لكن المسؤولية الفعلية هي لمَن يقف وراء تعطيل انعقاد المجلس».
يقول اخيراً: «في الرابية لن اكون متفرّجاً. لي تأثيري السياسي والشعبي، الا انني اترك للتيار الوطني الحر الذي هو كتلة من 21 نائباً ان يقوم بالدور المنوط به في انتخابات رئاسة الجمهورية والخيار الذي يريده. هو المعني بالاستحقاق وانا اثق به».
نقولا ناصيف - الأخبار