من يريد

عاش اللبنانيون لحظة تاريخية من الفرح والآمال العريضة مع انتخاب قائد الجيش العماد جوزاف عون رئيساً للجمهورية اللبنانية. هذا الحدث لم يكُن مجرد تبديل لشخص في سدة الرئاسة، بل كان بمثابة استجابة لنداء الشعب اللبناني المتعطش إلى التغيير، لا سيما بعد أعوام من الانهيار السياسي والاقتصادي الذي شهدته البلاد.

ومع خطاب القسم الذي ألقاه عون، تزايدت الآمال في أن تكون هذه بداية جديدة، بداية تتسم بالاستقلالية الكاملة عن سلطة الميليشيات واستعادة احتكار السلاح بيد الدولة ومرحلة جادة من الإصلاحات في القضاء ومكافحة الفساد.

لكن هذه الأجواء المتفائلة لا تخلو من الشكوك والمخاوف، فبينما كان خطاب عون محفزاً لآمال كبيرة في إصلاحات جذرية، تظهر بعض المؤشرات على أن القوى التي حكمت لبنان طوال 30 عاماً لا تزال تسعى إلى البقاء في قلب القرار السياسي. والمخاوف من إعادة تكليف رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي تشكيل الفريق الوزاري الأول في العهد الجديد، ترسم أحد أبرز التحديات. فتحالفات جديدة بين "الثنائي الشيعي" وحزب الطاشناق والتقدمي الاشتراكي وتيار المردة وتكتل الاعتدال، مع نواب مستقلين قد تؤدي إلى تشكيل حكومة بقيادة ميقاتي أو شخصية مشابهة، مما يعكس احتمال عودة النظام القائم على المحاصصة والصفقات.

صدمة بعد أمل

هذه العودة المحتملة لحكومة ميقاتي تشكل صدمة للشارع اللبناني الذي كان يأمل في أن تكون مرحلة ما بعد انتخاب رئيس الجمهورية نقطة انطلاق حقيقية للتغيير. فالدستور يفرض على رئيس الجمهورية السير بنتائج الاستشارات النيابية، مما يعني أن قدرة عون على تشكيل الحكومة تتوقف على توافقه مع القوى السياسية في البرلمان. وإذا كانت هذه القوى اجتمعت لدعم ميقاتي أو شخصيات مشابهة، فإن ذلك يعني أن لبنان ربما يكون أمام تجربة جديدة تشبه تجارب الحكومات السابقة التي تميزت بالفساد والمحاصصة ويعني في النهاية احتمال أن يتبدد أمل اللبنانيين في التغيير.

وفي هذه الأوقات الدقيقة، فإن نجاح العهد الجديد يعتمد بصورة أساسية على انتخاب رئيس حكومة يتوافق مع رؤية رئيس الجمهورية، ومن المهم أن يكون هذا الرئيس شخصية غير متورطة في الفساد، ولديه خلفية اقتصادية تؤهله لإجراء إصلاحات يحتاج إليها لبنان في ظل الظروف الراهنة. كذلك من الضروري أن تكون له علاقات قوية مع المؤسسات المالية الدولية، بخاصة صندوق النقد الدولي الذي يعتبر شريكاً رئيساً في أي خطة إنقاذ اقتصادي.

الرعاية الدولية

ويحتاج العهد الجديد إلى حكومة قادرة على تنفيذ خطاب القسم، ويتطلب توافقاً كاملاً بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة لأن أي تباين في الرؤى بينهما سيعرقل أي جهود للإصلاح. وإذا أعيد تشكيل حكومة ميقاتي أو حكومة مشابهة لها تكون تحت هيمنة "المنظومة" السياسية التقليدية، فهذا يعني عملياً العودة لنقطة الصفر، ومن الممكن أن يتسبب ذلك في "اغتيال مبكر" لعهد الرئيس جوزاف عون وعودتنا لنظام المحاصصة والفساد الذي اعتاد اللبنانيون تحمل تداعياته المدمرة على المستويات كافة.

في هذا السياق، يعوّل الشعب اللبناني على الدعم الدولي الذي تمثله "اللجنة الخماسية" (الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية ومصر وقطر) للضغط باتجاه تشكيل حكومة تتماشى مع تطلعاته. كما يُنتظر من قوى المعارضة توحيد صفوفها وبذل جهود حثيثة لتأمين الأصوات اللازمة لمنع عودة ميقاتي والعمل على تكليف شخصية تتوافق رؤيتها مع خطاب القسم للرئيس الجديد.

ومن المهم التأكيد على أن حكومة ميقاتي كانت جزءاً من النظام السياسي الذي أسهم في الانهيار الكبير الذي شهدته البلاد خلال الأعوام الماضية، مما يجعل عودته لمنصب رئيس الوزراء تشكل تهديداً حقيقياً لأي محاولة حقيقية للإصلاح.

وخلال فترة رئاسة الحكومة التي قادها ميقاتي، وهي الأطول في تاريخ لبنان، كانت الحكومة عاجزة تماماً عن إيجاد حلول للأزمة الاقتصادية الطاحنة التي ضربت البلاد، بل على العكس فقد فشلت في تأمين أدنى متطلبات الشعب اللبناني، من الكهرباء إلى رفع الحد الأدنى للأجور، وحتى ضمان الغذاء والدواء، وتركت لبنان يواجه الأزمة المالية والنقدية بصورة عميقة من دون أي خطة إنقاذ حقيقية.

أندبندنت عربية

يقرأون الآن