قد يتأخر مجيء اليوم التالي في غزة بعض الوقت، وقد تتحول الهدنة في غزة إلى حقبة غير واضحة المعالم إذا بقيت حماس تصر على حكم غزة، فلا يوجد نهر الليطاني في غزة حتى تذهب حماس إلى ما وراءه، لأن قطاع غزة شريط ساحلي في غالبيته قد يتجاوز عرضه خمسة كيلو مترات فقط بقليل، باستثناء الشمال والذي تضع عينها إسرائيل عليه وأيضاً الجنوب، والذي ترغب في اقتطاع جزء منه تحت مسميات الأمن وغيره، وإذا تم اقتطاع 800 متراً فقط على طول القطاع من جهة الشرق فلن يبقى في غزة مكان بعد هذا الدمار تستريح عليه الطيور المهاجرة.
بالتالي نحن لسنا أمام اتفاق سياسي، وإنما هدنة ترتكز على قواعد أمنية، ينطلق فيها التسلسل الرقمي الذي يناقش اليوم الأول فالتالي وصولاً لما بعده، ما يعني عدم وجود نتائج حسابية ثابتة، وإنما عملية تراكمية قابلة للتعطيل في أي وقت، خصوصاً وأن نتنياهو قد يرى أن الاتفاق مكتوب بقلم من رصاص ويمكن محو ما فيه في أي وقت، تماماً كما اعتدنا على هذه المسألة من قبل. لكن ما يعيق نتنياهو وعموم اليمين الإسرائيلي هو سلبهم مسلسل الذرائع، وهو ما يُفقد اليمين الإسرائيلي الترويج لفكرة الهواجس الأمنية، ويزيد من وقوف المجتمع الدولي إلى جانب الفلسطينيين، خصوصاً في مسألة السلاح الذي يتجاوز الاتفاقات الدولية التي وقعها الفلسطينيون، والذي نرى مشهده في الضفة في استمرار الاجتياحات، والاغتيالات وحتى استخدام الوسائل القتالية الجوية، في مخيمات الضفة، وما نعنيه هنا، أن غزة منزوعة السلاح أي كما كانت قبل هيمنة حماس عليها تبقى هي معادلة الأمان التي تكبل إسرائيل وتمنعها من الاجتياحات المستقبلية، وبالطبع يستثنى من ذلك سلاح الشرطة الذي يستخدم لأغراض الحماية الداخلية.
فما تسرب حتى الآن عن الاتفاق أنه يُبقى السلاح بيد حماس حتى مجيء اليوم التالي للحرب، ولكن هل ثمة مشترك في المصالح بين حماس ونتنياهو، فالسلاح بالنسبة لحركة حماس هو وسيلة البقاء في السلطة، بينما السلاح ذاته هو ذريعة نتنياهو الماضية والمستقبلية نحو العودة للحرب، وإذا لم يفعل في القريب، فإن حالة الحرب باقية، وهذه الحالة سوف تحول دون متممات الحياة المدنية لمليوني إنسان واكثر، فمسألة الاعمار وكثير من الأمور ستبقى معطلة بانتظار اتفاقات قد تأخذ وقتاً طويلاً، وهو ما يعني أن كابوس الخيام سيبقى مستمراً، فالمسألة سوف تبدو بالنسبة لحركة حماس في داخل مجتمعها أنها انتصرت نظرياً ومادياً لأنها بقيت في غزة، بينما ستكون حماس بالنسبة لـ نتنياهو أنها مهزومة وموجودة بنفس الوقت، فهي عاجزة عن صناعة 7 أكتوبر جديد، ولكنها موجودة كقوة على الأرض بحيث سيكون وجودها مانعاً لأي حل، باعتبار أن القادم ما بعد إطلاق الرهائن هو معادلات سياسية قد يأخذها الزمن بعيداً عن الاهتمام.
فماذا لو كانت المعادلة كالتالي: إذا انتهت إسرائيل من استرداد المختطفين الأحياء، فلماذا ستستعجل على استرداد الأموات، وبالتالي الذهاب الى اليوم التالي، بما يستوجب معادلة سياسية تختفي بموجبها حماس من المشهد السياسي خصوصاً وان وجود حماس في الواجهة السياسية سيمنح نتنياهو زخماً مستداماً لتعطيل القيام بعملية سياسية ليس في غزة والضفة ولكن في عموم المنطقة.
حرب غزة هي معضلة معقدة، بسبب التقاء مصالح حماس مع مصالح نتنياهو في استمرار ما يسمى اصطلاحاً "حالة الحرب" وبالتالي ستبقى نتائجها الكارثية مستمرة، فما حصدته الحرب من القصف لن يتوقف بتوقف القصف ما دامت نتائج هذا الدمار موجودة في حالة الموت برداً ومرضاً في الخيام، ناهيك عن عشرات آلاف الجرحى والمرضى وانعدام المستوى الصحي بحدوده الدنيا، لذلك يأتي الحديث الصادم عن تأخير فتح المعبر حتى الأسبوع السابع عشر وهذا سيبقى مرهوناً باستمرار زمن السلسلة الحسابية للأيام السابقة، ما يعني خسارة إضافية يسجلها رصيد الموت على حساب إنقاذ آلاف الحالات الصعبة التي لعل كثيراً منها لن يصل إلى موعد افتتاح المعبر، يضاف إلى ذلك حالات بتر الأطراف التي تختلط فيها الجراح بالرمال برماد الحرب النظافة، خصوصاً وأن قسماً من حالات البتر تلك، قام بتوثيقها عناصر حماس بأنفسهم، عندما استخدموا الرصاص الحي بتهشيم أرجل كثيرين من الناس، باعتبارهم يسعون في الأرض فساداً وبالتالي توجب قطع أرجلهم أثناء الحرب، وذلك بحسب عقيدة حماس التي لم يسمع بها البشر في الديانات السماوية ولا من زمن حمورابي إلى كامل القوانين الوضعية حتى اليوم.
بالتالي الذي لا يمكن تجاوزه هو دور السلطه الفلسطينية باعتبارها المعترف بها دولياً وما يمكن عقده مع حماس مسألة أمنية وأما السلطة الفلسطينية فهي المخولة بالملف السياسي بأكمله من هنا ستبقى الأمور ناقصة بانتظار اليوم التالي وحتى لا يطول انتظار اليوم التالي في غزة ولكي لا يتأخر كثيراً يتوجب سد ذرائع الحرب.