مستقبل قطاع غزة.. خيارات متعددة

سيظل السؤال مطروحاً حول مستقبل حركة "حماس"، وهل ستظل عائقاً أمام أي تطور يمكن أن يشهده قطاع غزة؟ ومع الظهور التكتيكي والاستراتيجي لعناصر الحركة في اليوم الأول، وما يليه من تطورات في مشهد تسليم عناصر المحتجزين يظل السؤال قائماً: هل ستبقى "حماس"؟ وماذا عن مستقبل الحركة في حكم القطاع أو خارجه؟ وما الذي سيمنع الحركة من أن تظل في مواجهة من يطالبون بإقصائها، أو أنها يجب أن ترحل من حكم القطاع.

وهناك من يؤكد أنها ستظل فكرة عقائدية، ولا يمكن أن تنتهي. بدا واضحاً أن الحركة المرفوضة واقعياً من إسرائيل والدول الأوروبية والولايات المتحدة حتى ولو استمرت في الداخل تحتل موقعاً متقدماً ليس فقط في إدارة المشهد أو على هامشه خاصة، وأن أي سلطة حاكمة في قطاع ستكون ممثلة فيها، أو على هامشها على الأقل في مستوى الشكل وليس فقط الجوهر. ولهذا فإن طرحها بتشكيل حكومة تكنوقراط ليست إحدى أدواتها فقط، بل ستظل تعمل على تثبيت وجودها على الأرض، وذلك لإمساكها بملف المحتجزين لآخر لحظة، وأنها لن تسلم بسهولة لما سيجري من أمور تهدف إلى اقصائها، بل ستكون في مرمى أولوياتها الحكم والمغالبة لا المشاركة في ظل أولويات أخرى لحركة "فتح"، أو لسائر القوى الفلسطينية الأخرى، والتي تسعي لحجز دور في المشهد المقبل. في هذا السياق، فإن ‌إسرائيل ستظل ترى أن حكم "حماس" في غزة يُشكل خطراً على أمن إسرائيل، ويعد كابوساً للفلسطينيين، ويهدد الاستقرار الإقليمي، وأنه إذا بقيت "حماس" في السلطة، فقد يستمر عدم الاستقرار الإقليمي الذي تسببه، ولهذا فإن إسرائيل ستظل ملتزمة بتحقيق جميع أهداف الحرب، بما فيها تفكيك قدرات "حماس" الحكومية والعسكرية، خاصة أنه حتى الآن لا توجد خطة واضحة متفق عليها من أجل حكم قطاع غزة بعد الحرب.

في هذا السياق تسعى السلطة الفلسطينية لتسلم القطاع، لكن إسرائيل ترفض ذلك، خاصة أنه لا يوجد اتفاق نهائي مع "حماس"، فيما تقترح الولايات المتحدة قوات عربية وفلسطينية، وتشترط بعض الدول العربية مساراً للدولة الفلسطينية، وإصلاحات ومصالحات فلسطينية، وهناك مخاوف من تدخلات لـ"حماس" في الداخل وعرقلة ما يجري، خاصة أن هناك شركة الحماية الخاصة التي ستحل محل الجيش في التفتيش عند معبر نتساريم لن تتمكن من تفتيش الأشخاص، بل فقط المركبات، وهذا يعني، أنه إذا حاول أي شخص الوصول إلى شمال القطاع، فسوف يتمكن من ذلك، وأنه بالإضافة إلى ذلك، خلال فترة وقف إطلاق النار، سيتمكن عناصر من الجناح العسكري لـ"حماس" الذين أصيبوا خلال الحرب من مغادرة قطاع غزة لتلقي العلاج الطبي في الخارج والعودة بعد شفائهم، حيث يُعدون مغادرين، وليسوا مبعدين، ووفقاً لتقييمات إسرائيلية معلنة، فإن مضمون الاتفاق يحتوي على قنبلة موقوتة، لأنه ابتداء من اليوم 16 للصفقة، ستتمكن "حماس" من الحصول على ردود فعل وتقدير دقيق نسبياً لاحتمالات أن تؤتي مرحلة أخرى ثمارها، وأنه في هذه المرحلة، تكون إسرائيل قد دفعت بالفعل ثمناً باهظاً. وفي سياق مرتبط فمن المشكوك فيه، وفي ظل تطلعات بعضهم، ولو على المستوى الرمزي أن يكون قطاع غزة تحت الإدارة المباشرة للسلطة الفلسطينية المعترف بها دولياً، وهي السلطة الممثلة للشعب الفلسطيني، ومنظمة التحرير الفلسطينية خاصة، وأن هذا التوجه قد يكون مدعوماً من قبل الولايات المتحدة وأوروبا والدول العربية، كما أن هذه الخطوات تأتي في إطار التمهيد لإعادة إعمار القطاع الذي سيتطلب استثمارات ضخمة، على أن تتولى أوروبا، وبعض الدول العربية مسؤولية تمويل هذا الإعمار.

من المرجح، وبرغم مزايدات حركة "حماس" أن يكون دور الحركة مستقبلاً محدوداً، فربما تقتصر مشاركتها على دور سياسي دون تأثير كبير في إدارة القطاع، و أنه إذا تم نزع سلاح "حماس" وأسلحتها العسكرية - خيار مشكوك فيه -، فإن الحركة قد تتحول إلى حزب سياسي أو تنخرط تحت راية السلطة الفلسطينية، وأن هذا الحل هو السبيل الوحيد لضمان إعادة إعمار غزة، وتحقيق مستقبل مستقر للقطاع.

في المجمل، فإن هناك احتمالات عدة تلوح في الأفق بشأن مستقبل غزة، أهمها تدخل قوة دولية للإشراف على القطاع، وهو الاقتراح الذي يدعمه بعضهم، لكنه يواجه صعوبات لعدم تقديمه أي إدارة فعلية للفلسطينيين، كما أن هناك اقتراحاً يقضي بوجود إدارة مشتركة دولية وعربية تشمل قوات عربية وفلسطينية لإدارة غزة، وأنه يبقى احتمال عودة السلطة الفلسطينية لإدارة غزة قائماً، بالإضافة إلى اقتراح آخر يقضي بتولي حركة "حماس" إدارة شؤون القطاع عبر سلطة مدنية. ولهذا، فإن جميع هذه الخيارات تبقى احتمالات غير نهائية وغير حاسمة، وأن مصير غزة مرتبط بموازين القوى التي ستتبلور لاحقاً، أو وقف إطلاق نار أو تسوية، وأنه قد تكون هناك صيغة تجمع أكثر من احتمال وتتناسب مع مختلف الأطراف المعنية، وليس فقط "حماس"، أو"فتح".

ووفقاً لما سبق من معطيات، يظل مستقبل غزة غير واضح في الوقت الراهن، خاصة أن المنطقة ما زالت في مرحلة انتظار سيناريوهات عدة، بما في ذلك الصراع الأكبر، والذي لا يتحدث فيه أحد، ومرتبط بالفعل بما يدور في حركة "حماس" واحتمالات الدخول في صراع على مركزية القرار بين الداخل والخارج، ومن سيلي المشهد خاصة، وأن الوضع الراهن في الداخل سيرتبط بمركز صنع القرار في الخارج.

الاتحاد

يقرأون الآن