دولي

هل تسعى إيران لتكرار سيناريو سايغون أم كابول في بيروت؟

هل تسعى إيران لتكرار سيناريو سايغون أم كابول في بيروت؟

حلّ نائب وزير خارجية الجمهورية الإسلامية الإيرانية للشؤون القنصلية والبرلمان الإيرانيين، وحيد جلال زاده، ضيفاً مفاجئاً في بيروت، حيث التقى وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عبد الله بو حبيب، والمدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء إلياس البيسري.

الزيارة لم تأتِ في إطار تشكيل قوة ضغط على حلفائها في لبنان، الثنائي الشيعي (حركة أمل و"حزب الله") لفكّ العقدة الوزارية المتمثلة في التمسك في تسمية وزير المالية، حيث يصرّ الثنائي على أن يكون شيعياً ومحازباً. لكن وفق المصادر الأمنية المطلعة، فإن زيارة جلال زاده، لها هدفان، الأول يتعلّق بالاهتمام بالسوريين الفارين إلى لبنان بعد سقوط نظام حليفهم بشار الأسد وعدم تسليمهم إلى الإدارة الجديدة. أما الهدف الثاني، فهو الأهم، لأنه يرتبط بالطلب بتسهيل عبور عشرات الإيرانيين الذين يحملون الجنسية السورية من دمشق إلى بيروت، وتأمين ترحيلهم جواً إلى طهران عبر مطار رفيق الحريري الدولي وفق ما ورد في "النهار".

سقطت طهران في الفخّ الذي نصبته للمنطقة تحديداً لتواجدها في سوريا، بعدما شبكت علاقات استراتيجية مع النظام السابق، لتجعل من البلاد محطة رئيسية لتنفيذ مصالحها. لهذا اعتبر المراقب أن هروب بشار الأسد، كان بمثابة الضربة القاسمة لمشاريع طهران التوسعية، حيث تمّ إغلاق أهم ممراتها العسكرية من طهران إلى بيروت عبر سوريا.

فقدت إيران الكثير من أوراق القوة لديها بعد الحرب الإسرائيلية على "حزب الله"، حيث تراجع حضورها على حساب الإجماع العربي والغربي للدفع ببناء لبنان الجديد. فانتخاب العماد جوزف عون رئيساً للبلاد، وتسمية القاضي نواف سلام لتشكيل الحكومة، دلالة على ضعف نفوذ الحزب ومن خلفه الإيراني. كما وأن إخضاع الموفدين الديبلوماسيين وغيرهم من الإيرانيين للتفتيش من قبل جهاز أمن المطار أسوة بسائر الوفود الديبلوماسية، صورة لم يألفها اللبناني منذ ما بعد الحرب الأهلية، بسبب إخضاع جميع منافذ لبنان الخارجية إلى السطوة الإيرانية بالمباشر.

خسرت إيران في لبنان كما في سوريا، ما كان لها من حضور. هذا أمر طبيعي، لأنها لم تبن علاقة صداقة مع هذه الدول، كما وأنها تعاملت مع المعارضة السورية واللبنانية تماماً كما تعاملت القوات الأميركية في كل من أفغانستان وفيتنام. لهذا كرّر التاريخ مشهديته مع الحكومات الأميركية المتعاقبة من مشهدية سايغون الفيتنامية وكابول الأفغانية، فهل سيعيد تكرارها اليوم في مطار بيروت؟

لن ينسى التاريخ صور هؤلاء العملاء من الأفغانيين والفيتناميين الهاربين مع انسحاب القوات الأميركية بشكل مفاجئ، حيث "تعلّق" الكثير في حديد تلك الطائرات التي أتت لتنقل الكثير من المتعاملين معها إلى مناطق أخرى، ما سبب سقوط البعض منهم وفقدان حياتهم.

مشهدان كررهما التاريخ، وسجلا في ذاكرة الشعوب لأجيال، الأول كان في 15 آب/ أغسطس من عام 2021، حيث كان العالم على موعد مع حدث تاريخي، فخلال ساعات سريعة سيطرت حركة طالبان على كابول. في هذا المشهد أعيدت عقارب الساعة إلى الوراء، وبدأ العالم يستعرض حدثاً مرّ عليه أكثر من عشرين عاماً، تحديداً عام 1973 إلى سايغون الفيتنامنية عندما غادرت آخر طائرة أميركية من أحد مباني سايغون، حيث صورة الفيتناميين الهاربين، بعدما خدعتهم واشنطن وتركتهم لمصيرهم، تشبه تلك الصورة التي رسمها الأفغان في طائرة كابول.

لم يشهد مطار دمشق الدولي على مثل هكذا حدث بعد سقوط الأسد، بسبب وضوح المعارضة في التعاطي مع مؤيدي النظام، وتسامحها معهم من أجل بناء سوريا الجديدة، باستثناء من كان يفاخر في ارتكاب فظائع الجرائم بحق المعارضين لبشار.

استطاع النظام الجديد التعامل على مستوى الحدث بعد تسلمه السلطة، فهو لم يطلق الحملات العشوائية لاعتقال الآلاف من مؤيدي النظام البائد. بل على العكس رحبّ بكل سوري يريد العودة إلى دياره، وفتح صفحة جديدة مع شعبه من مختلف أطيافه لبناء سوريا الجديدة. لكنّ ماذا يريد جلال زاده من زيارته المفاجئة إلى بعض المسؤولين في بيروت؟

في تسريب يعود إلى مصدر قضائي لبناني بارز، فإن ما يريده زاده هو تأمين حمايتهم في لبنان، هم من مسؤولين أمنيين سوريين فروا إلى لبنان، ودخلوا أراضيه بطرق غير شرعية، وهناك من أمن له حماية من قبل بعض الأحزاب الموالية لطهران. لكنّ رغم أن طهران لم تتوان عن بعث رسائل إيجابية تجاه النظام الجديد القائم في دمشق، إلا أنّ تصرّف جلال زاده المرسل من قبل مسؤوليه، لا يعبّر عن صدق هذه النوايا من قبل طهران تجاه بيروت ودمشق، بل يظهر السعي لاستمرارية الفكر التوسعي ذاته على ما كانت عليه قبل 27 تشرين الثاني / نوفمبر الماضي، موعد توقيع "حزب الله" الهدنة مع إٍسرائيل، وبداية سقوط النظام في سوريا وتحضير الأسد للهروب.

لم تزل إيران على ما يبدو تتحين الفرص لعودة حضورها في سوريا ولبنان، رغم أن الظروف اختلفت والإرادة الدولية والعربية باتت تمتلك رؤية جديدة للمنطقة. فالغرب الأوروبي تحديداً يحتاج إلى استقرار سوريا للبدء بالتحضير لعودة آلاف اللاجئين السوريين إلى ديارهم، والأميركي أيضاً يحتاج إلى منطقة مستقرة لأنّ إدارة دونالد ترامب تحتاج إلى تهدئة الجبهات الهامشية لإشعال الجبهة الأساسية مع الصين. وطبعاً فاللاعبين الإقليميين يحتاجون إلى سوريا الجديدة، لما يعكس ذلك من تحقيق رؤيتهم الاستراتيجية للمنطقة بعيدة عن النفوذ الإيراني.

ما حصل في سوريا من إعلان قيام الدولة الجديدة برئاسة أحمد الشرع، والانفتاح الدولي والعربي الواسع دعماً للنظام الجديد، والذي تجلى في زيارة أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الخميس 30 كانون الثاني، كأول زيارة لرئيس دولة عربية إلى البلاد بعد سقوط الأسد في الثامن من كانون الأول ، يعتبر نقطة فارقة في سياق العلاقات بين البلدين، وانفتاحاً حقيقياً على سوريا الجديدة، الأمر الذي يجب أن يحفّز من يُعتبرون من "فلول" الأسد، أن مرحلة "اللا عودة" في التاريخ إلى النظام البائد قد ولت، وأن سوريا ترحب بأبنائها كافة، ويجب ألا ينتظر الفارون حماية من إيران ولا من غيرها بل من دولتهم السورية بحسب "النهار".

يقرأون الآن