لطالما رسخت الرياض قدرتها على لعب دور الوسيط الفاعل في حل النزاعات، سواء على مستوى المنطقة أو العالم.. تأتي استضافة العاصمة السعودية للمُباحثات الأمريكية الروسية في قصر الدرعية بما يحمله من رمزية تاريخية.. كتأكيد جديد على مكانتها المحورية في الساحة السياسية العالمية.
وعند الحديث عن قضايا الاستقرار والسلام فلا يُمكن تجاوز الرياض بأي حال من الأحوال أو بأي شكل من الأشكال، فهي تُمثل بما تمتلكه من ثقل إقليمي وتأثير دولي أنموذجًا في تحقيق التوازن بين القوى الكبرى، وتقديم الحلول الدبلوماسية بعيدًا عن معارك الاستقطاب أو الأيديولوجيا أو البحث عن المصالح الضيقة.
مثلت الدرعية، العاصمة الأولى للدولة، رمزية تاريخية متجذرة في السياسة السعودية. فمنذ تأسيس الدولة السعودية الأولى، شكلت الدرعية مركزًا للحكم والإدارة، وكانت نقطة الانطلاق في توحيد الجزيرة العربية. واليوم، وبعد قرون من تاريخها العريق، تعود الدرعية للعب دور فاعل في حل الخلافات وتخفيف التوترات وإنهاء الأزمات صانعة للسلام موحدة للفرقاء مُقربة لوجهات النظر المُتباينة وتجلى ذلك في جمعها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا على طاولة واحدة في محاولة لتقريب وجهات النظر بين أكبر قوتين عظميين في العالم.
قصر الدرعية الذي لطالما احتضن العديد من القمم الخليجية والاجتماعات رفيعة المستوى عاد اليوم ليقدم نفسه منصة حوار تعكس استقرار المملكة وقدرتها على احتواء الخلافات وصياغة الحلول الدبلوماسية.
رمزية قصر الدرعية أيضًا سلطت الضوء على رمز القيادة السياسية الشابة والصاعدة في عالم الشرق الأوسط سمو سيدي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان والذي أصبح أهم الرموز السياسية الموثوقة لدى صناع القرار العالمي بما يملكه من شخصية قيادية وحنكة سياسية لا سيما مع ما تقوم به السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز من أدوار مؤثرة رسخت دورها لتمكين الحلول الدبلوماسية بين الأطراف المتنازعة وأن تجد طريقها إلى أرض الواقع؛ فالمملكة اليوم بفضل الله تعالى بوصفها شريكًا موثوقاً فيه تحولت إلى وسيط فاعل يمتلك القدرة على تقريب وجهات النظر والمساهمة في صنع السلام الحقيقي والعادل.
الدور الذي تحظى به السعودية اليوم في منطقة الشرق الأوسط والعالم لم يأت من فراغ، فهو مزيج فريد من الجغرافيا والتاريخ والإمكانات إضافة إلى سياستها المتوازنة التي تجمع بين الواقعية والرغبة الصادقة في مستقبل مزدهر، وقد أثبتت المملكة مرارًا أنها قادرة على الوساطة الفعّالة بين الأطراف المتنازعة، كما حدث في جهودها السابقة لإطلاق سراح أسرى الحرب بين روسيا وأوكرانيا، إضافة إلى نجاحها في تخفيض التصعيد والتوتر في العديد من الملفات الإقليمية في منطقة ملتهبة ومضطربة.
اليوم تحصد السعودية سلسلة نجاحاتها المتوالية بفضل عقلانيتها وتغليبها لمنطق الدولة واستضافة قصر الدرعية في الرياض للمباحثات الأمريكية الروسية هو اعتراف دولي مهم ومستحق على قدرة المملكة وإمكاناتها الكبيرة في تسيير وتسهيل أجواء بيئة إيجابية للحوار والتفاهم، مما يقودنا إلى حقيقة باتت واضحة للعيان حيث لا يمكن لأي تحديات جيوسياسية في الشرق الأوسط إلا أن تجد طريقها للحلحلة والحل باستلهام التجربة السعودية الرامية لتحقيق الأمن والاستقرار والرخاء والازدهار؛ فرسالة السعودية التي قدمتها اليوم وتقدمها كل يوم أنه لا بديل عن التنمية كخيار حتمي في عالم أنهكته الصراعات وتقاذفته النزاعات.
الأجواء الإيجابية التي خيمت على المباحثات الروسية الأمريكية كانت واضحة وجلية من خلال ما صرّح به وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو الذي قال إن الرياض كانت الخيار الأفضل لاستضافة المحادثات. كما شدد المسؤولون الأمريكيون والروس على أهمية فتح قنوات دبلوماسية دائمة، وهو ما يعكس نجاح الدور السعودي في تسهيل الحوار بين الطرفين.
وبالرغم من أن الطريق إلى السلام لا يزال طويلًا، فإن مُباحثات الدرعية تمثل خطوة حاسمة نحو إيجاد حل تفاوضي يحقق الأمن والسلام العالمي.
الجزيرة السعودية