خروج كامل لحركة حماس من المشهد السياسي في غزة بما في ذلك تسليم ملفات الأمن والسلاح، هو الضامن الأول لسحب الذرائع الإسرائيلية من إطلاق حرب جديدة في الأفق، الخاسر فيها هو الجانب المدني، وبالتالي إن طي مسألة سلطة حماس كاملة، سيضع المجتمع الدولي أمام واقع انتهاء مبررات الحرب، وهذا يعني أن إسرائيل ستكون ملزمة داخلياً برفع "حالة الحرب" عن غزة والتي بسببها لا تزال حكومة نتنياهو موجودة، ما يعني بالضبط أن إسرائيل ستكون أمام خيار الذهاب إلى انتخابات جديدة، ستعصف بكل تأكيد بحكومة نتنياهو والتي سوف تتحول إلى حكومة تصريف أعمال، وهو الوقت الكافي الذي سيكون فيه مشروع قطار غزة قد انطلق.
فيما بقاء السلاح بيد حماس سواء في غزة أو الضفة، سوف يبقي حالة الحرب قائمة ما قد يدفع بتحولات كارثية على الشارع الفلسطيني، لأنه يبقي وجود ما يعرف بـ (حكومة الوحدة الوطنية في إسرائيل) والتي تتشكل عادة أثناء الحروب، في ثنائية عجيبة لا يكون فيها سلاح حماس وسيلة حماية للفلسطينيين كما تقول، بقدر ما هو جالب للكوارث والتهجير وغير ذلك، فما ينطبق على غزة ينطبق على الضفة، فاستمرار الحرب في غزة يبقي الاجتياحات الإسرائيلية مستمرة في الضفة وفق ذات الذرائع، والتي تسببت حتى الآن بتهجير عشرات الآلاف من سكان مخيماتها وسط دمار هائل، توشك فيه مخيمات الضفة أن تتحول إلى غزة ثانية، وسط إصرار حماس في الضفة على استمرار حمل السلاح غير الشرعي، والذي بخروجه من المشهد يؤدي إلى زوال المبررات الإسرائيلية في استمرار اجتياح الضفة، وهو ما قد يتصاعد لاحقاً فيما وراء المخيمات، بحيث قد يطال المدن الفلسطينية في الضفة على شاكلة ما جرى في أثناء الانتفاضة الثانية، والذرائع بالطبع هي السلاح ذاته.
هنا نحن أمام إشكالية في التوصيف السياسي، تتعلق بفكرة المقاومة، ومخاطر السلاح الذي أصبح وسيلة تغيير ديموغرافي خطير تمتلكها حكومات اليمين، فالمسألة انطلقت من تهجير سكان غزة، لكن تفاصيل ذلك وفق أحزاب اليمين المتطرف يصل نحو منع سكان مخيمات الضفة من العودة إليها، وضم المستوطنات الموجودة فيها، وصولاً إلى إعلان هذه الأحزاب الرغبة بضم الضفة، ويأتي ذلك أمام الدعاية الإعلامية الإسرائيلية التي تركز على اعتبار ما حدث في السابع من أكتوبر قد يتكرر من الضفة، لأنها ستؤدي إلى قيام 7 أكتوبر جديد، وخصوصاً مع الخطاب الإعلامي لقادة الصف الأول في حماس والذي يسوّق للرواية الإسرائيلية دولياً، ما تستغله إسرائيل للهروب من عملية سياسية جديدة.
وبالتالي إن تسويق الخطاب الإعلامي المساند والذي تقوم به مؤسسات إخوانية وغيرها محسوبة على الاخوان، إنما هي تزيد عن قصد بكل ما يحدث من نكبات في الشارع الفلسطيني.
هنا نحن أمام خطاب حماس الجديد القديم، والموقف في الخطاب الممتد من الانقسام وسيطرة حماس على غزة، وسبعة عشر عاماً من التفاهمات والاتفاقيات لم تصل إلى نتيجة، حيث ظلت قصة السلاح وملفات الأمن هي نقطة الفصل التي لم تتخلّ عنها حماس، وبقيت تدفع بها خلال الأسابيع والأشهر الماضية، أثناء الحوار حول لجنة الإسناد المجتمعي التي جرت حوارات كثيرة بين حماس والسلطة الفلسطينية حولها وانتهت بالفشل، لأن حماس أرادت أن تكون لجنة الإسناد المجتمعي مجرد وكالة خيرية تساهم السلطة فيها بتوزيع المواد الإغاثية مع بقاء ملفات الأمن والسلاح بيد حماس، وهو المشهد غير المقبول على المستوى الدولي، وبمقابل ذلك فهذا لا يوقف الحرب ولا يشكل أرضية سياسية يمكن البناء عليها.
هنا ثنائية الموقف، بين الخطاب الذي يعلن رفض تسليم السلاح، والخطاب الذي يعلن جاهزية الحركة لتسليم السلطة ضمن توافق وطني، (فمسألة سلاح حماس هو بالنتيجة حركة حماس) ولا يمكن الجمع بين سلاح حماس وتخليها عن السلطة، لأنها ستبقى قوة عسكرية وهو ما سيبقي المشهد الفلسطيني معقداً، خصوصاً وأن حماس تعرض تسليم السلطة، لكنها تطمح أن تحتفظ بسلاحها كما كان قبل عام 2006 عندما شكلت حماس ما عرف حينها بالقوة التنفيذية، والتي لاحقاً انقلبت على السلطة هناك.
مسألة إنقاذ المشهد الفلسطيني بأكمله والحؤول دون عمليات التهجير التي قد يفرضها تعنت حماس ما قد يعيق العمل بخطة الجامعة العربية وخصوصاً أمام شبح الترحيل الطوعي، مع إعلان إسرائيل استعدادها لفتح أبواب الهجرة الطوعية عبر مطار رامون في صحراء النقب وأيضا ميناء اسدود البحري. كل هذه تضع حماس أمام مسؤولية وطنية، إما أن تسير نحو المصلحة الفلسطينية، أو أن يضيع الوقت بالجدال حول سلاح حماس والذي سيعيد ثنائية المصالح المشتركة بين حماس ونتنياهو، حيث تطمح حماس أن يغادر قادتها غزة، ويتولى الجيل الثالث إدارة اللعبة بذات السلاح.