10 إشكاليات تربك الموقف الأميركي في غزة

بصرف النظر عما يعلنه المسؤولون الأميركيون من رؤيتهم للحل في قطاع غزة والتصميم على سيناريو التهجير إلا أن كل الشواهد تشير إلى استمرار حالة التناقض والتداخل مما يطرح على لسان المسؤولين الأميركيين وعلى رأسهم الرئيس الأميركي ترامب نفسه، ومن بين أهم الإشكاليات التي تربك الموقف الأميركي: أولاً، لا يوجد مخطط فعلي أميركي للتعامل مع غزة باستثناء الدعوة لتهجير سكان القطاع أصلاً، والانتقال تدريجياً إلى تفريغ القطاع من سكانه والعمل على إعادة تهيئة القطاع ليكون ريفييرا جديدة، وهو كلام يحتاج إلى تناول جاد في ظل دعاوى مشابهة أطلقها الإسرائيليون من قبل بتحويل القطاع إلى وادي سيليكون، وإنشاء جزر اصطناعية ومناطق تجارية وصناعية على أعلى مستوى متناسين أن السبب الحقيقي في بقاء القطاع على ما هو عليه هو الحصار ووجود الفصائل المسلحة. ثانياً : التضامن مع موقف الحكومة الإسرائيلية بعدم وجود دور لحركة «حماس» في القطاع وتصفية وجود «حماس» مردود عليه خاصة وأن الإدارة نفسها تتفاوض مع ممثلي حركة «حماس» للإفراج عن المحتجزين الأميركيين بما قد يصلح لمدخل للدخول في مفاوضات بشأن إقرار هدنة دائمة المدى مع الجانب الفلسطيني إن مضت الأمور في هذا السياق، وما يؤكد على ذلك أن الولايات المتحدة، سبق وأن فاوضت حركة «طالبان»، وتتعامل في الوقت الراهن مع القيادات السابقة في «جبهة تحرير الشام»، التي ما تزال، وفق التصنيف الأميركي، حركة إرهابية ومحظورة.

ثالثاً: أن الإدارة الأميركية تعلن مواقف وتتبنى مقاربات متناسية أن الموقف الراهن قابل للتفجر ما قد يمس المصالح الأميركية مجدداً، فصحيح أن إيران قد توارت ورجعت للخلف، ولكن مخاطر استهداف الحضور العسكري الأميركي في الإقليم واردة وهو ما تضعه الإدارة الأميركية في حساباتها خاصة، وأن إسرائيل ما تزال تواجه تحديات من بعض الوكلاء لاعتبارات متعلقة بوقف إطلاق النار، وفي حال تجدد أي مواجهة سيكون للبعض دور في ما سيجري من تطورات محتملة.

رابعاً: أن الإشكالية التي تواجه الإدارة الأميركية هي كيفية فض الاشتباك بين دعم إسرائيل ومصالح واشنطن الكبرى في الإقليم خاصة مع دول حيث المصالح الاقتصادية الكبرى والاستثمارات الهائلة، والتي يدركها جيداً الرئيس ترامب، ويرى أن المواجهات الراهنة ستمس المصالح الأميركية وقد تؤدي إلى توتير الأجواء العربية الأميركية وتهدد ما تم من توافقات مع دول في الإقليم. خامساً: يحتاج المشروع المصري العربي للإعمار إلى قوة دفع ودعم على الأقل وقبول أميركي، وهو أمر لم يتم حتى الآن في ظل الموقف الرسمي للبلدين تجاه ما طرح ما يؤكد أن تسويق المشروع سيحتاج إلى قوة دعم وقبول بوقف إطلاق النار والاستمرار في إدارة المفاوضات من أعلى أي العودة إلى المرحلة الثانية من المفاوضات، خاصة وأن هذه المفاوضات تحتاج إلى آليات أخرى خاصة وأنها ستنتهي بتسليم المحتجزين والأسرى.

سادساً: أن الإشكالية التي تعلن عن نفسها وتحتاج إلى قرار أميركي، تتركز في أن المواقف الأميركية في مجملها تجاه الدول العربية وتجاه طرفي المعادلة في حاجة إلى توازنات حقيقية وليست هشة في ظل ما يجري من تحديات حقيقية، فالولايات المتحدة ليست في حاجة إلى مزيد من التوتر في الإقليم وصحيح أن مصالحها قد تتهدد إلا أن الإشكالية الكبرى هي تأثر حليفتها الرئيسة واستمرار حالة التأزم في داخل إسرائيل.

سابعاً: أن الترتيبات الأمنية المطروحة في الإقليم والتي قد تنطلق من قطاع غزة ستتحرك في أطر محددة، وليس فقط من غزة خاصة وأن بقاء إسرائيل في القطاع سيكون مطروحاً على الأقل في المنطقة العازلة لبعض الوقت والانتقال إلى خارج المدن المكتظة، وهو ما لن يلقى اعتراضاً من الولايات المتحدة في حال فشل الاتفاق الراهن أو تعثره أو مواجهة إشكاليات جديدة وانفتاح المشهد على سيناريوهات مختلفة في ظل تشبث كل طرف بمواقفه الحالية وهو أمر قد لا يستمر إذ إن الطرفين وصلا إلى مرحلة الإنهاك الحقيقي.

ثامناً: تعمل الإدارة الأميركية على عدم حدوث صدامات حقيقية أو ممتدة ومن ثم فإن فكرة العودة للحرب أو التهديد بالجحيم مجرد كلام إنشائي لا معنى له، ولا تتعامل حركة «حماس» معه بجدية، فليس لدى الحركة الكثير لتخسره في ظل ما جرى، وفي ظل خطابها الإعلامي المباشر بضرورة خروج القوات الإسرائيلية من القطاع وتركه، ومن ثم فإن المناورة التي تعمل عليها حركة «حماس» بالقبول بلجنة إدارية غير فصائلية مهم. تاسعاً: ستستمر الإدارة الأميركية تتأرجح في خياراتها ما بين دعم إسرائيل، وهو أمر سيسير وبين الالتزام الأميركي مع الدول العربية التي تربطها بها شراكات ومصالح كبرى لا يمكن أن تضحي بها الإدارة برغم التصريحات السطحية التي قد تصدر من مسؤولي الإدارة والتي تفهم في سياقات متعددة، ومن ثم فإن التوقع بأن الإدارة ستعمل على طول الخط لصالح حكومة نتنياهو لن يحدث لاعتبارات عديدة.

وأخيراً فإن الولايات المتحدة تواجه خيارات محدودة وليست متعددة في التعامل مع ما يجري في قطاع غزة الأمر الذي يتطلب بالفعل فك الاشتباك بين اتفاق وقف إطلاق النار والإعمار وتحديد الأولويات لكل طرف مع الحفاظ على ما تم في المرحلة الأولى، وإلا فإن البديل قد يكون صفرياً أمام الإدارة الأميركية وطرفي المعادلة أيضاً.

الاتحاد

يقرأون الآن