هل ينجح ترامب في فصل روسيا عن الصين؟

في يناير من العام الحالي، كتب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منشورًا يتعلق بروسيا ودورها في الحرب العالمية الثانية. وفي المنشور على منصة "إكس"، قال ترامب: "يجب ألا ننسى أبدًا أن روسيا ساعدتنا في الفوز بالحرب العالمية الثانية، حيث خسرنا ما يقرب من 60 مليون شخص في هذه الحرب".

ويشير هذا التصريح إلى الامتنان والاعتراف بدور روسيا (الاتحاد السوفيتي آنذاك) في الانتصار في الحرب العالمية الثانية، مع الإشارة إلى الخسائر البشرية الكبيرة التي تعرضت لها.

وتاريخيًا، كان الاتحاد السوفيتي حليفًا رئيسيًا للولايات المتحدة ودول الحلفاء ضد ألمانيا النازية، وقد لعب دورًا حاسمًا في الجبهة الشرقية، حيث تكبد خسائر فادحة تقدر بحوالي 20 إلى 27 مليون شخص، بينما كانت الخسائر العالمية الإجمالية للحرب تقترب من 70 إلى 85 مليون شخص.

ويعكس هذا الموقف المغاير للإدارة الأمريكية السابقة محاولة ترامب تسليط الضوء على هذا الدور التاريخي والحاسم لروسيا في إنقاذ أوروبا، ويأتي في سياق رغبة ترامب في إعادة العلاقات مع روسيا وفصلها عن الصين.

والسؤال الرئيسي المطروح اليوم هو: هل سينجح ترامب في مسعاه؟

وفي الحقيقة، كان اهتمام دونالد ترامب بفصل روسيا عن الصين موضوعًا متكررًا في خطاباته وأفعاله في السياسة الخارجية، ومتجذرًا في رغبة استراتيجية واضحة، وهي إضعاف الشراكة المتنامية بين هاتين القوتين من أجل تعزيز النفوذ الجيوسياسي للولايات المتحدة. وكان ينتقد ويحذر بشكل متكرر إدارة بايدن والغرب من دفع روسيا إلى أحضان الصين.

وقد خضع هذا النهج، الذي يُطلق عليه غالبًا اسم استراتيجية "عكس نيكسون" (في إشارة إلى تواصل الرئيس ريتشارد نيكسون مع الصين في سبعينيات القرن الماضي لمواجهة الاتحاد السوفيتي)، لتحليل مكثف من قبل مراكز الأبحاث الأمريكية والصحف الكبرى في الأسابيع الأخيرة.

وترى النخب العسكرية الأمريكية أن التحالف الروسي الصيني يمثل تحديًا مباشرًا للهيمنة العالمية للولايات المتحدة. وقد أبرزت مؤسسة بروكينغز، في تحليل لها في يناير 2025، أن ترامب ينظر إلى الصين على أنها الخصم الرئيسي على المدى الطويل نظرًا لصعودها الاقتصادي والعسكري، مع قيام روسيا بدور داعم من خلال صادراتها من الطاقة وتحالفها السياسي مع بكين. وأشارت المقالة إلى قلق ترامب من أن شراكتهما "اللامحدودة"، التي أُعلنت رسميًا عام 2022، تُعزز قدرة الصين على مواجهة النفوذ الأمريكي، لا سيما في آسيا وأوروبا. ومن خلال إبعاد روسيا عن الصين، يهدف ترامب إلى تعطيل هذا التآزر، مما يُقلل من التهديد المُشترك للمصالح الأمريكية.

وبالفعل، فقد أكدت مصادر في الإدارة الأمريكية في فبراير 2025 أن إدارة ترامب تعتقد أن الجبهة الروسية الصينية المُوحدة تُعقّد الجهود الأمريكية لاحتواء طموحات الصين، مثل مطالباتها بتايوان أو هيمنتها في بحر الصين الجنوبي.

هذا من الناحية السياسية، أما اقتصاديًا، وهو الملف الهام والمقلق جدًا بالنسبة لإدارة ترامب، فقد أشارت مجلة نيوزويك، في مقال نُشر في فبراير 2025، إلى أن الصين أصبحت أكبر شريك تجاري لروسيا منذ أن أعادت العقوبات الغربية على أوكرانيا توجيه صادرات النفط والغاز الروسية شرقًا. هذه التبعية، والتي تمثل 40% من الواردات الروسية و30% من الصادرات المرتبطة بالصين، تمنح بكين نفوذًا على موسكو، وهي ديناميكية يسعى ترامب إلى تعطيلها. وفي مقال رأي نُشر هذا الشهر، وصفت صحيفة واشنطن بوست هذا النهج بأنه محاولة من ترامب "لقلب النظام العالمي رأسًا على عقب"، مجادلةً بأن روسيا الأقل اعتمادًا على الصين قد تُضعف نفوذ بكين الاقتصادي العالمي.

وفي الحقيقة، هناك شكوك كبيرة لدى الغرب عمومًا بقدرة أمريكا وترامب تحديدًا على إقناع بوتين بفك التحالف مع الصين والاندماج مع الغرب، خصوصًا بعد الحرب الأوكرانية والدماء التي أريقت بينهما، والحجة المطروحة هي أن اعتماد روسيا الاقتصادي على الصين وانعدام الثقة العميق الذي تشترك فيه الدولتان تجاه الولايات المتحدة يجعلان الانفصال الأخير غير مرجح. كما أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الصيني شي جين بينغ يعتبران شراكتهما حصنًا منيعًا ضد الضغوط الغربية. وهناك مخاوف أخرى وهي أن تحالف ترامب مع روسيا يُخاطر بتنفير أوروبا دون ضمان انشقاق روسيا عن الصين. وقد يجني بوتين الثمار من التنازلات الأمريكية دون أن يؤثر ذلك على علاقته ببكين، نظرًا للطبيعة المؤقتة لأي انفراج يقوده ترامب.

ومع ذلك، تركز إدارة ترامب على المكاسب قصيرة المدى على حساب الاتساق الأيديولوجي. وكتب المؤرخ ستيفن كوتكين في مارس 2025 تحليلًا في مجلة نيويوركر، وصف سياسة ترامب الخارجية بأنها أشبه بـ"مصارعة المحترفين"، إذ تُركز على خطوات دراماتيكية كالتحالف مع روسيا لزعزعة استقرار الصين، بدلًا من الحفاظ على تحالفات طويلة الأمد.

وهذا يعني أن ترامب مستعد للتضحية بالتحالفات التقليدية، مثل الناتو ودعم أوكرانيا، لتحقيق ذلك. وكان صدامه المذهل في المكتب البيضاوي مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أمام العالم دليلًا على إعطاء الأولوية لروسيا على تماسك الناتو.

وبعبارة أخرى، ينبع سعي ترامب لفصل روسيا عن الصين من مزيج من الدوافع الاستراتيجية والاقتصادية والسياسية، وتتركز في مواجهة تهديدهما المشترك للقوة الأمريكية، وتعطيل النفوذ الاقتصادي للصين على روسيا، وتحقيق نصر جيوسياسي كبير.

لكن المخاوف كبيرة جدًا، وقد وصفت معاهد الفكر والأبحاث الأمريكية مثل بروكينغز ومجلس العلاقات الخارجية وكارنيغي، إلى جانب الصحف الأمريكية، هذا النهج بأنه مقامرة عالية المخاطر، ووصفوها بالمغامرة التي تسعى إلى إعادة تشكيل التحالفات العالمية، لكنها تواجه عقبات كبيرة بسبب العلاقات الروسية الصينية الراسخة وولاية ترامب المتقلبة.

يقرأون الآن