خلفية تسمية الخليج العربي

حب الأوطان فطرة ربانية وسنّة نبوية كريمة، أرسى قواعدها رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، فالمسلم يحب وطنه ويغار عليه، ويبذل من أجله كل غال ونفيس.

من بين النماذج، التي يستأنس الاستشهاد بموقفها الوطني الشجاع، المربية الفاضلة دعد عبدالحي الكيالي، رحمها الله تعالى، والذي رواه الباحث في التراث الكويتي الأخ الفاضل الأستاذ صالح خالد المسباح في أحد المقاطع المصورة، التي تم بثها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وفيه يقول: «في أحد الأيام، أثناء تواجدي في المقبرة لحضور دفن بعض الجنائز، وقعت عيني على إحدى لافتات الأسماء لإحدى الجنائز، وهي للمرحومة بإذن الله تعالى دعد عبدالحي الكيالي، وتساءلت في نفسي عن هذا الاسم، الذي لم يكن غريباً على مسامعي، فمن المؤكد أني أعرف صاحبته رحمها الله تعالى، وعندما ذهبت لاستكمال مراسم الدفن، إذا بجمع كبير من الحضور عند قبرها لا يلبسون الزي الوطني الكويتي (يرتدون البنطال)، فغلب على ظني ساعتها أنها غير كويتية، ولم أفكّر في الأمر كثيراً، وانتظرت حتى عُدت إلى بيتي، وطالعت الجريدة، فإذا بالاسم موجود ضمن وفيات ذلك اليوم، إذاً هي كويتية، وسبحان الله العظيم، عندما طالعت أحد رفوف مكتبتي حينها، إذا بكتابها (سكينة الإيمان)، الذي ألفته عام 1953، موجود ضمن المجموعة التي وقع بصري عليها، هنا بدأت أتذكّر معلومات عن تلك الشخصية المميزة، فهي إحدى رائدات التعليم في دولة الكويت، وهي مدرسة وأديبة فلسطينية ثم كويتية، من الرعيل الأول، وصلت أرض الكويت عام 1950، ولها دور كبير في تعليم فتيات الكويت في تلك الحقبة من تاريخ الكويت، ومن الواضح أنها حصلت على الجنسية الكويتية فيما بعد، نظراً لجهودها الطيبة ونشاطها البارز اجتماعياً وأدبياً».

يستكمل الأستاذ صالح خالد المسباح حديثه قائلاً: «يشاء المولى سبحانه وتعالى أن يكون لي لقاء في عصر ذلك اليوم في جريدة (الراي) الكويتية، فأخذت الكتاب معي إلى هذا اللقاء، وبدأت حديثي بأن قدمت واجب العزاء لأهل الكويت الكرام جميعاً في وفاة هذه المربية الفاضلة، التي قامت بتدريس العديد من فتيات الكويت آنذاك، منهن على سبيل المثال لا الحصر: بنات الحميضي وبنات التركيت.. وغيرهن من بنات العائلات الكويتية الكريمة، حيث درست عدة مواد دراسية، ثم تخصصت فيما بعد في تدريس مادة اللغة الإنكليزية، بعد ذلك بفترة ذهبت إلى مصر وتزوجت من شخص مصري، جاء معها فيما بعد إلى الكويت، وقد تعرفت على زوجها خلال تقديم واجب العزاء في اليوم نفسه، وكان رجلاً فاضلاً عمره قد ناهز 75 عاماً، وقد حدثني عن قصة كفاحها، وتأثرت كثيراً بما رواه الزوج لي، فتحدثت مباشرة مع الأخ الفاضل جاسم أشكناني عن قصتها وعن دورها المشرف، فما كان منه إلى تحمّس لمعرفة المزيد عن مسيرتها، وبالفعل تواعدنا وسلمته الكتاب وذهبنا سوياً إلى زوجها مرة أخرى، وقام الأخ جاسم أشكناني مشكوراً بنشر قصتها في صفحتين كاملتين، فكنت أنا أول من نعاها، ثم كتب عنها د. يعقوب يوسف الغنيم، وزير التربية الأسبق، جزاه الله خيراً، صفحتين كاملتين، وهكذا تم تسليط الضوء على مسيرتها التربوية والأدبية».

أما عن الموقف المشرف، الذي لا يمكن أن نغفله، ونحن نتكلم عنها، ما رواه لي زوجها من ذهابها إلى حاكم الكويت آنذاك سمو الشيخ عبدالله السالم الصباح، طيب الله ثراه، في حوالي عام 1955 - 1956، وسَألَتْه أثناء المقابلة: «لماذا يتم تداول مصطلح (الخليج الفارسي)، ولا يتم تداول مصطلح (الخليج العربي) بيننا كعرب؟ فكثيراً ما أسمع الرئيس المصري جمال عبدالناصر في الإذاعات المصرية: (هنا القاهرة) و(صوت العرب)، يردد هذا المصطلح - تقصد (الخليج الفارسي) - فقال لها الشيخ عبدالله السالم الصباح رحمه الله تعالى: «عندك حق، ولكن من يوصل هذه الرسالة للرئيس جمال عبدالناصر؟». فأجابت على الفور: «أنا أذهب إليه، وأوصل له الرسالة»، وبالفعل لم يمانع سمو الشيخ عبدالله السالم رحمه الله تعالى في ذلك، بل إنه أعد لها خطاباً رسمياً وسلمه إياها لتسلمه إلى الرئيس المصري جمال عبدالناصر، وبالفعل ذهبت إلى الرئيس المصري جمال عبدالناصر وسلمته رسالة سمو الشيخ عبدالله السالم بنفسها في حوالي عام 1957، وكان الزوج بالطبع يحتفظ بالصور التي توثق هذا اللقاء بين زوجته السيدة دعد عبدالحي الكيالي والرئيس المصري جمال عبدالناصر، ولم تكتف هذه السيدة الفاضلة بتسليم الرسالة، ولكنها قالت للرئيس جمال عبدالناصر: «لماذا تذكرون دوماً في خطاباتكم مصطلح (الخليج الفارسي)، مع أنه في الأصل (الخليج العربي)، فالدول العربية هي التي تحيط به؟ فكان رد الرئيس جمال عبدالناصر بأن قال لها: (ارجعي إلى الشيخ عبدالله السالم، وستسمعون ما يسركم إن شاء الله تعالى). ويقال إنه بعد هذا اللقاء بحوالي ثلاثة أو أربعة شهور، أصبحت الإذاعات المصرية جميعاً لا تذكر مصطلح (الخليج الفارسي) مطلقاً، بل أصبح المصطلح المتداول فيما بعد هو مصطلح (الخليج العربي)، ولكن هذا الموقف الشجاع منها لم ينته عند هذا الحد، بل كافأها سمو الشيخ عبدالله السالم الصباح، طيب الله ثراه، بأن أهداها 3000 روبية، ومنحها الجنسية الكويتية، لتكون أحلى مكافأة لها».

هكذا كانت بصمات هذه السيدة الفاضلة صاحبة الهمة العالية وموقفها الشجاع، الذي استحقت عليه أن تكون قدوة حسنة ضمن قدوات من بلدي.

القبس

يقرأون الآن