يواجه "حزب الله" اللبناني ضغوطاً متصاعدة، داخلياً وخارجياً، مع تعالي الأصوات الداعية لحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، في وقت يربط فيه الحزب هذه الخطوة بشروط متعلقة بإسرائيل، ما يعقّد مسار الحوار الوطني حول مستقبل "سلاح المقاومة" كما يصفه الحزب.
الرئيس اللبناني جوزيف عون شدد في أكثر من مناسبة على ضرورة حصر السلاح في يد الدولة، مؤكداً أن نزع سلاح حزب الله يجب أن يتم بالحوار لا بالقوة، حفاظاً على السلم الأهلي في البلاد.
لكن تصريحات الحزب في المقابل لا تعكس استعداداً فورياً لتسليم السلاح، إذ يصر على ربط أي نقاش في هذا الملف بانسحاب إسرائيل الكامل من الأراضي اللبنانية المحتلة، ووقف الخروقات الجوية والبحرية، فضلاً عن الحصول على ضمانات دولية لإعادة الإعمار وتثبيت وقف إطلاق النار.
حوار خلف الأبواب المغلقة
مصادر مطّلعة كشفت لـ"سكاي نيوز عربية" أن اتصالات جارية بعيداً عن الإعلام بين قيادة الجيش اللبناني، ورئاسة الجمهورية، وممثلين عن حزب الله، لصياغة رؤية أولية حول مستقبل السلاح خارج جنوب الليطاني، بعد أن أعلن الحزب سحب عناصره ومعداته العسكرية من تلك المنطقة، التزاماً بالقرار الأممي 1701.
لكن بحسب مراقبين، فإن حزب الله لا يزال يحتفظ بقوته الفعلية في شمال الليطاني ومناطق أخرى، ما يجعل ملف السلاح خارج الإطار الرسمي محل تجاذب داخلي ودولي.
الكاتب والباحث السياسي محمد حمية أوضح في حديث لسكاي نيوز عربية أن "الحزب لا يمانع في إدراج سلاحه ضمن إستراتيجية دفاع وطني، لكن بعد استكمال الانسحاب الإسرائيلي من 19 نقطة حدودية، ومعالجة ملفات الأسرى والخروقات"، مضيفاً أن "الحوار يجري حالياً حول كيفية تحويل هذا السلاح إلى عنصر ضمن منظومة الدولة، وليس خارجها".
تفاوت في المواقف اللبنانية
في المقابل، يرى الكاتب جوزيف أبو فاضل أن "أي وعود يقدمها حزب الله بشأن تسليم السلاح تبقى مناورات سياسية لا أكثر"، مؤكداً أن "القرار الحقيقي لا يُتخذ في بيروت، بل في طهران"، في إشارة إلى النفوذ الإيراني على قرارات الحزب.
ويضيف أبو فاضل أن "إيران قد تضحي بوكلائها الإقليميين، بما فيهم حزب الله، إذا استلزم الأمر تأمين مصالحها في المفاوضات مع الولايات المتحدة"، لافتاً إلى أن "البيئة الشيعية في لبنان لم تعد تتحمّل مغامرات جديدة، وقد بدأت تتململ من الكلفة الباهظة للحروب المتكررة".
الجيش اللبناني.. بين الإمكانيات والسياسة
مع تصاعد الجدل، يُطرح سؤال أساسي في الداخل اللبناني: هل الجيش اللبناني قادر فعلاً على ملء الفراغ الذي قد يخلّفه حزب الله في حال سلّم سلاحه؟
أبو فاضل يرى أن "الجيش اللبناني لا يمكنه الدخول في مواجهة مع حزب الله"، مشدداً على أن "البيئة الحاضنة للحزب، وبعض حلفائه من القوى المسلحة، لن تسمح بتفكيك منظومة السلاح بالقوة". ويضيف: "أي صدام داخلي ستكون له تداعيات كارثية على الدولة ووحدة المجتمع".
وفي هذا السياق، كشفت قيادة الجيش اللبناني أنها نفذت أكثر من 3000 عملية لمصادرة أسلحة في الجنوب، إضافة إلى 2500 عملية مشتركة مع قوات اليونيفيل، ضمن جهودها لتوسيع سيطرتها جنوب الليطاني، في حين تقول الحكومة إن العائق الأساسي أمام استكمال انتشار الجيش هو استمرار الوجود الإسرائيلي في بعض النقاط الحدودية.
سلاح التوازن أم عامل الفوضى؟
يرى أنصار حزب الله أن "سلاح المقاومة" هو الضمانة الحقيقية لردع إسرائيل ومنعها من اجتياح جنوب لبنان، مستشهدين بإخفاق الجيش الإسرائيلي في التوغل داخل الأراضي اللبنانية خلال الحرب الأخيرة، بحسب تعبيرهم.
في المقابل، يعتبر خصوم الحزب أن السلاح تحول إلى عبء داخلي يُقوّض سيادة الدولة، ويُستخدم كأداة ضغط سياسي تعرقل بناء مؤسسات الدولة المدنية.
وتبقى المخاوف قائمة من أن يؤدي استمرار هذه الازدواجية في القرار الأمني إلى انفجار داخلي أو إلى استئناف المواجهة مع إسرائيل، خاصة مع تصعيد الأخيرة لهجماتها ضد قيادات الحزب، واستهداف مخازن أسلحته ومراكزه جنوب لبنان.
الملف مرهون بالمعادلة الإقليمية
تتجه الأنظار إلى التطورات الإقليمية، خصوصاً ما يتعلق بمسار المفاوضات الأميركية الإيرانية، التي يعتبر مراقبون أنها ستحدد شكل العلاقة بين طهران ووكلائها في المنطقة، ومن ضمنهم حزب الله.
ففي حال التوصل إلى اتفاق يشمل التزامات أمنية إقليمية، قد تطلب طهران من الحزب تقليص حضوره العسكري، أو إعادة تموضعه ضمن صيغة لبنانية داخلية، ما يُمهّد لتفاهمات أوسع على الساحة اللبنانية. أما إذا فشلت هذه المساعي، فإن الجمود سيبقى سيّد الموقف، وستبقى الدولة اللبنانية رهينة التوازنات المسلحة.
وبين دعوة رئيس الجمهورية إلى الحوار، وضغوط إسرائيلية غير مسبوقة، وترقب المجتمع الدولي، يبدو أن ملف سلاح حزب الله سيبقى مفتوحًا، إلى أن تقرر طهران الحسم.