مرضى غسيل الكلى في غزة.. الأمل الأخير

 وسط أروقة مستشفى شهداء الأقصى في وسط قطاع غزة، يجلس محمد صالح، النازح من مخيم جباليا، منهكاً بانتظار جلسة غسيل الكلى، يحمل على وجهه علامات التعب، ليس فقط من المرض، بل من معاناة يومية في البحث عن مياه شرب نظيفة.

يقول صالح بصوت متعب: "كل يوم نخوض معركة شاقة للعثور على مياه نظيفة. حصول مرضى الكلى على المياه المعبأة لم يعد ترفًا، بل أصبح مسألة حياة أو موت".

يعاني صالح من مرض الكلى منذ أربع سنوات، وكان يخضع قبل اندلاع الحرب لجلسات غسيل كلى ثلاث مرات أسبوعيًا، تستغرق كل منها أربع ساعات. إلا أن تفاقم الأزمة في القطاع، وتراجع الإمدادات الطبية، وازدياد أعداد المرضى، أجبر المستشفى على تقليص الجلسات إلى مرتين أسبوعيًا، ولمدة ساعتين فقط في كل مرة.

لم تتوقف معاناته عند هذا الحد، فقد أصيب بالتهاب في المعدة نتيجة اضطراره لشرب مياه ملوثة في ملاجئ النازحين. المياه النقية أصبحت نادرة، والمياه المعبأة باهظة الثمن، يقول: "ليس لدي دخل ثابت.. حتى لو توفرت المياه، لا أستطيع تحمل تكلفتها".

منظمة "فلسطين كرونيكل" وثّقت حالة محمد صالح، الذي يرى في تقليص جلسات الغسيل ونقص المياه والتغذية ضربة قاسية تهدد حياته.

ويقول: "هذا التخفيض يؤثر بشدة على صحتنا، خاصة مع نقص المياه النظيفة والتغذية السليمة، وهما أمران أساسيان لبقائنا على قيد الحياة".

وتتفاقم معاناة مرضى الكلى في غزة وسط نقص حاد في المياه النظيفة والأدوية وخدمات الغسيل. معظم المستشفيات تعاني من تراجع حاد في الإمدادات، فيما تباع الأدوية المتوفرة بأسعار لا يستطيع المرضى تحملها.

يقول صالح: "اضطررت لبيع ذهب زوجتي لتوفير الدواء والمياه. حتى المواصلات إلى المستشفى أصبحت عبئًا".

ويحذر سعيد خطاب، كبير الممرضين في مستشفى شهداء الأقصى، من أن مرضى الفشل الكلوي من أكثر الفئات ضعفًا بسبب ضعف مناعتهم. ويضيف: "الحرب دمرت محطات تحلية المياه، وأصبحت معظم المياه غير صالحة للشرب، وخاصة لمرضى الكلى".

في ظل هذه الظروف، ناشد خطاب منظمة الصحة العالمية والمؤسسات الدولية التدخل الفوري لتوفير مياه نظيفة وأدوية أساسية وتغذية مناسبة لمرضى الكلى، الذين يكافحون من أجل البقاء وسط انهيار النظام الصحي.

وتشير منظمة الصحة العالمية إلى أن النقص في معدات وأدوية غسيل الكلى في القطاع يتفاقم، في ظل انتشار أمراض مرتبطة بالمياه الملوثة والطعام المعلب.

وأفادت مصادر طبية فلسطينية أن 416 مريض كلى توفوا منذ بداية الحرب، ما يمثل نحو 42% من مرضى الكلى الذين كانوا يتلقون العلاج قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.

وأوضحت إحصائية للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن 37 مستشفى و80 مركزًا صحيًا خرجوا عن الخدمة، وتم استهداف 162 مؤسسة صحية، وكان آخرها مستشفى الأهلي العربي (المعمداني) الذي توقف جزئيًا بعد تدمير أحد مبانيه.

وفي ظل تدهور النظام الصحي، يزداد الاعتماد على المستشفيات الميدانية والعائمة التي أنشأتها دول أجنبية وعربية. وقد أُنشئت 11 مستشفى ميدانيًا إلى جانب مستشفيات عائمة بإشراف من منظمات دولية لتقديم الدعم الطبي.

ويُعد المستشفى الميداني الإماراتي نموذجًا بارزًا، بطاقة استيعابية تبلغ 200 سرير، ويضم طواقم طبية متعددة الجنسيات.

وقدّم الرعاية لأكثر من 51 ألف حالة، ضمن مساعدات طبية إماراتية تجاوزت 750 طنًا.

كما استخدمت دول أوروبية ميناء العريش لإرسال سفن طبية مجهزة بالكامل، في حين قدمت روسيا دعمًا إنسانيًا بلغ 827 طنًا من الأغذية والأدوية والمستلزمات.

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد اقترح في كانون الأول/ ديسمبر 2023 إنشاء مستشفى ميداني في رفح، وهو اقتراح لم يتم تنفيذه بعد بسبب اعتراضات أمنية إسرائيلية.

في ظل هذا الواقع، تستمر معاناة مرضى الكلى في غزة، وسط صمت دولي وإلحاح على تدخل عاجل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من أرواح تقاوم الفناء.

يقرأون الآن