انتشار الجيش المصري بأعداد أكثر من الجنود والمدرعات في سيناء على الحدود مع قطاع غزة لا يزال يشكل انزعاجاً لدى الحكومة الإسرائيلية، التي اتهمت قبل مدة القاهرة بخرق اتفاقية كامب ديفيد بسبب نشر قوات عسكرية بمعدلات تتجاوز النسب المتفق عليها في الملحق الأمني للاتفاقية.
هذه الاتهامات الإسرائيلية أثارت ردود فعل مصرية غير رسمية عبر أطراف مختلفة خلال الأيام الماضية، ووجّهت اتهامات مماثلة لإسرائيل باختراق الاتفاقية مع سيطرتها على محور فيلادلفيا الفاصل بين مصر وقطاع غزة، إلى جانب تواجدها الأخير في مدينة رفح الفلسطينية وعزلها عن باقي القطاع.
وفق مصادر عسكرية ودبلوماسية، فإن تعديل الملحق الأمني لاتفاقية كامب ديفيد قد يكون حلاً خلال الأيام المقبلة، لكن دون أن تتراجع القوات المصرية التي تنتشر بالقرب من الحدود مع قطاع غزة.
وبحسب ذات المصادر، فإن الحفاظ على اتفاق السلام أمر ممكن في حال جرى إدخال تعديل آخر على الملحق الأمني، إضافة إلى التغييرين السابقين في أعوام 2005 و2021، غير أن ذلك أمر ليس من السهل حدوثه هذه المرة بسبب رغبة إسرائيل في تراجع القوات المصرية وتفكيك قدراتها العسكرية في المنطقة (ج).
وقالت صحيفة "إسرائيل هيوم"، قبل فترة إن إسرائيل تواصلت مع مصر والولايات المتحدة لطلب "تفكيك البنية التحتية العسكرية التي أنشأها الجيش المصري في شبه جزيرة سيناء"، واعتبرت إسرائيل أن هذا الانتشار "يشكل انتهاكاً لاتفاقية السلام مع مصر".
اتفاقية كامب ديفيد على المحك
قال مصدر عسكري مصري، إن إدخال تعديلات على اتفاقية كامب ديفيد وارد، لكن شريطة أن تتخلى إسرائيل عن احتلالها لقطاع غزة، وأن تسمح للسلطة الفلسطينية بإدارة القطاع، والعودة مرة أخرى إلى وقف إطلاق النار واستكمال مسارات إعادة الإعمار.
ويقول المتحدث، فإن "وجود الجيش المصري بالقرب من الحدود مع غزة من الطبيعي أن يكون مصدر قلق لإسرائيل، لكن في المقابل فإن مصر لديها تخوفات أكبر من القدرات العسكرية الإسرائيلية المتنامية بالقرب من الحدود مع غزة".
وأشار المتحدث إلى أن السلام مع إسرائيل "سوف يسود ويستمر في حال تخلّت الحكومة اليمينية المتطرفة عن أحلامها التوسعية، وأن مصر وغالبية الدول العربية اعترفت بدولة إسرائيل، لكن في ظل أطماعها الحالية تشكل انتكاسة، خاصةً وأنها تعمل على التدخل في الشؤون الداخلية للدولة المصرية".
سيناء "العمق الاستراتيجي" لمصر
تُعدّ شبه جزيرة سيناء العمق الاستراتيجي لمصر وخط دفاعها الأول، كما أنها تمثل رابطاً جغرافياً مهماً بين إفريقيا وآسيا وبين البحرين الأحمر والمتوسط. ومنذ 2011، قالت السلطات المصرية إن المنطقة واجهت "تهديدات إرهابية متزايدة"، ما دفع مصر إلى تعزيز وجودها العسكري هناك.
وكشف مصدر عسكري مصري، عن أن ما يثير قلق إسرائيل ليس فقط وجود القوات العسكرية المصرية في شمال سيناء بالقرب من الحدود مع غزة، لكنها تدرك أن القواعد العسكرية المصرية يمكن أن تشكل تهديداً لتحركاتها البحرية في خضم رغبتها في زيادة نفوذها إلى جانب الولايات المتحدة في الممرات البحرية الدولية، تحديداً في البحر الأحمر.
كما أن تزويد الجيش المصري بمعدات متطورة طيلة السنوات الماضية يشكل أيضاً عامل قلق آخر، رغم أنها ما زالت تحافظ على تقدم عسكري.
وتابع المتحدث: "وبالتالي، فإن القاهرة تدرك أنها تحقق أهدافاً عديدة وراء انتشارها في سيناء، ومن الممكن أن يكون إدخال تعديل على الاتفاقية في مقابل تقديم ضمانات أمنية لإسرائيل بعدم التعرض لها ما دام اتفاق السلام مستمراً، حلاً منطقياً يحفظ للقاهرة الإمساك بأوراق مختلفة في مواجهة ضغوطات خطط التهجير التي من المتوقع أن تتصاعد خلال الأيام المقبلة".
وأضاف أن القاهرة ترفض أن تنجرف نحو التصعيد الإسرائيلي، وتتمسك بالحلول الدبلوماسية، ومن الممكن أن يكون لديها أدوار أكبر في مسألة تأمين البحر الأحمر بما يضمن مصالح الولايات المتحدة.
وفي المقابل، فإنها ستعمل على تفويت الفرصة على تنفيذ مخطط التهجير، وكذلك الحفاظ على أمن شبه جزيرة سيناء بعد سنوات من العمليات العسكرية الموسعة في مجابهة الإرهاب، مشيراً إلى أن خطوات توطين المصريين في سيناء من المتوقع أن تتسارع وتيرتها خلال الفترة المقبلة لسد المنافذ أمام ضغوط استقبال الفلسطينيين.
يذكر أن إسرائيل لم تقدم حتى الآن على التصعيد الدولي ضد مصر في حال كان لديها ما يثبت خرق اتفاق السلام كما تدّعي، والأمر لا يعدو كونه تصريحات إعلامية لمسؤولين أمنيين، وبالتالي فإن القاهرة تدرك أنها في منأى عن الضغط عليها.
وفي حال حدث ذلك، فإن لديها ما يثبت قيام إسرائيل بالأمر ذاته، مشيراً إلى أن التعامل مع اتفاقية السلام يجب أن يكون في إطار ما يحدث من تطورات، ولا يمكن فصله عن سياقات ما تقوم به إسرائيل والولايات المتحدة في المنطقة.