لغاية اليوم، لم تنطلق التعيينات الإدارية، كما الدبلوماسية، بالوتيرة التي كان يفترض أن تنطلق بها. كان المأمول أن تتم التعيينات بسرعة فائقة، خصوصًا وأن الآلية الإدارية منها قد أُنجزت، كذلك بالنسبة لإنجاز التعيينات الدبلوماسية بسرعة قصوى بالنظر إلى وضعية وزارة الخارجية التي لم تشهد مناقلات وتعيينات دبلوماسية منذ العام 2017، خلافًا للقانون.
في خطاب القسم، تعهّد رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون بالمداورة في تعيينات الفئة الأولى وبإتمام التعيينات القضائية والدبلوماسية. وفي ما رشح من مداولات تتعلق بالتعيينات والمناقلات الإدارية والدبلوماسية، كما القضائية، ما يثبت أن البلد لا يزال خاضعًا لمنطق المحاصصة والتوزيع الطائفي ومراعاة المحاسيب على حساب الكفاءة في مفاصل مهمة من الدولة. وتبقى تلك فرضية إلى أن يتم إثبات عكسها بالوقائع.
بفارق سبع سنوات، يعود مشروع المناقلات والترفيعات الدبلوماسية إلى واجهة الاهتمام مجددًا. آخر دفعة تشكيلات دبلوماسية أعدّها وزير الخارجية السابق عبدالله بو حبيب لم تبصر النور، بسبب خلافات سياسية اعترت الأسماء التي تم ترشيحها من سفراء الفئات الأولى والثانية والمستشارين، والسبب أن البعض لم يكن ينوي تقديم أي ورقة رابحة لعهد الرئيس ميشال عون. ووفق القانون، يفترض أن يرفع وزير الخارجية يوسف رجي لائحة بالتشكيلات إلى مجلس الوزراء ليُصار إلى تسمية السفراء المنتدبين لمنصب سفير في عدد من الدول الغربية والعربية.
المسودة الأولى لم تكتمل بعد
بهدوء، يعمل رجي على ملف التشكيلات والترفيعات الدبلوماسية. رفع إلى الرئيسين جوزاف عون ونواف سلام مسودة أولية عن التشكيلات، لكنه استثنى المراكز الدبلوماسية في السفارات الأساسية، والتي حسب العرف، تُوزع محاصصة بين الرؤساء الثلاثة. وبذلك يكون الاستثناء قد شمل السفراء في كل من واشنطن، باريس، والفاتيكان.
يُسمي السفراء المنتدبون لتمثيل لبنان في هذه الدول رئيس الجمهورية جوزاف عون. بينما يُسمي رئيس الحكومة نواف سلام سفراء لبنان في كل من نيويورك، السعودية، والأونيسكو. أما رئيس مجلس النواب نبيه بري، فهو من يُسمي السفراء المنتدبين في كل من لندن، بلجيكا، طوكيو، قطر، وسويسرا.
وفي اللائحة التي أعدها، يطلب رجي، وتطبيقًا للقانون، إعادة السفراء المنتدبين في الخارج ممن أمضوا 12 عامًا أو أكثر في مراكزهم، ومستشارين مضى على تكليفهم بمهامهم سبع سنوات. ترجح المعلومات أن يعيد وزير الخارجية من يستحق العودة للالتحاق بالإدارة المركزية في الوزارة ممن أمضوا بين 12 و16 سنة في الخدمة في سفارات لبنان في الخارج، وعددهم الإجمالي نحو 47 سفيرًا من الفئة الأولى. مقابل ذلك، سيتم انتداب سفراء من الخارجية للقيام بمهام سفير معتمد. وبما أن عدد السفراء الذين سيتم استدعاؤهم للالتحاق بالإدارة المركزية يزيد على عدد السفراء العاملين في وزارة الخارجية من الفئة الأولى، والذي لا يزيد على 15 سفيرًا من الفئة الأولى، فسيُصار إلى انتداب موظفين من الفئة الثانية للقيام بالمهام، بعد أن يمنحهم مجلس الوزراء، وبناءً على اقتراح الوزير، صفة سفير.
احتجاج ديبلوماسي
وقد أثار خبر عودة هؤلاء للالتحاق بالإدارة المركزية بلبلة، طالب بعض السفراء بالإبقاء عليهم في الخارج، لأن إعادتهم جميعًا إلى بيروت ستتسبب بوجود كثافة موظفين من دون وظائف في الإدارة المركزية. ونشطت الوساطات واتصالات السفراء بالمرجعيات السياسية، كلٌّ حسب طائفته، لمنع عودته، مع أن إجراء رجي بإعادتهم مطابق للقانون، الذي يمنع بقاء السفير في الخارج طوال هذه الفترة.
وحسب معلومات "المدن"، فإن رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون لم يُسلّم أسماء المنتدبين من قبله للقيام بمهام سفير من خارج الملاك في واشنطن وباريس والفاتيكان. وكذلك الأمر بالنسبة إلى رئيس الحكومة نواف سلام، الذي لم يحسم خياره بعد بخصوص السعودية ونيويورك، أو أنه لم يُسلّم الأسماء لرجي حتى الآن.
أما رئيس مجلس النواب، فقد سلم موفده علي حمدان أسماء السفراء الشيعة المنتدبين لسفارات كل من: بلجيكا (وليد حيدر)، لندن (فرح بري)، طوكيو (أسامة خشاب)، قطر (بلال قبلان)، وحسين حيدر إلى سويسرا.
وإذا كان التحضير للتشكيلات الدبلوماسية يجري بهدوء، فإن الشياطين تكمن في تفاصيل الأسماء والحصص السياسية، لا سيما مع وجود وزير على رأس الخارجية يمثل جهة حزبية هي القوات اللبنانية، التي تعتبر نفسها شريكة في التشكيلات الدبلوماسية. ومن الطبيعي أن تطالب بتعيين سفراء من الدبلوماسيين المحسوبين عليها في الوزارة، أو من خارج الملاك. ويتردد أن القوات ترغب في تسمية سفير لبنان في فرنسا، لكن الموضوع لم يُحسم بعد، وليس معلومًا ما سيكون عليه موقف رئيس الجمهورية، الذي يعتبر نفسه معنيًا بتحديد السياسة الخارجية للدولة، وينحصر فيه وحده تعيين السفراء في سفارات لبنان الكبرى، حيث التمثيل غالبًا ما يكون للمسيحيين.
مسألة ثانية مقلقة هي مدى مراعاة معايير الكفاءة في التعيينات. فإذا كان تعيين مدير عام قد استلزم إعداد آلية مشروطة، فماذا عن تعيين السفراء الذين يمثلون لبنان ويعكسون صورته في المحافل الدولية؟ وهل يجوز حصر المعايير بالأقدمية في التشكيلات والمناقلات الدبلوماسية، بينما هناك من بين الدبلوماسيين من أثبت حضورًا مميزًا للبنان طوال فترة الحرب الإسرائيلية الأخيرة؟
أما الأمر الثالث المستغرَب، فهو تسمية سفراء من خارج الملاك، في وقت تعاني فيه الوزارة من فائض في الدبلوماسيين من الفئتين الثانية والثالثة.
الأمور بخواتيمها، وإلى أن تبصر التشكيلات النور، يبقى الخوف مبررًا من خلافات في اللحظات الأخيرة، خصوصًا في حصة المسيحيين، والقرار بشأنها ما بين القوات ورئيس الجمهورية.