بريطانيا الاشتراكية والصين الرأسمالية!

مفارقة عجيبة حدثت خلال الأيام القليلة الماضية. بريطانيا مهد الرأسمالية فى العالم تتصرف كدولة اشتراكية، والصين، القلعة الرئيسية للشيوعية حاليا، تشق طريقها إلى القمة كدولة رأسمالية. لم تعد للثوابت والأيديولوجيات مكان فى عالمنا اليوم. فى ١٢ أبريل الحالى، وافق مجلس العموم البريطانى على وضع شركة الصلب البريطانية تحت سيطرة الدولة فى محاولة للحفاظ على وظائف العمال فى مواجهة خطط شركة «جينجى» الصينية، المالكة، لتطوير الشركة وضخ الاستثمارات لتحديث عمليات الإنتاج ومراعاة النواحى البيئية، مما كان سيعنى الاستغناء عن حوالى ألفى عامل.

الحكومة البريطانية أرادت الحفاظ على الوضع القائم ومقاومة التغيير والتطوير لأنه سيعنى فقدان الوظائف، وبالتالى فقدان شعبيتها. شركة الصلب تواجه منذ فترة صعوبات شديدة تهدد بإغلاقها نتيجة الخسائر التى تتكبدها، وعندما اشترتها «جينجى» أعلنت عزمها تطوير المصنع من خلال استبدال أفران الصهر العالية التقليدية بأفران كهربائية، مبررة ذلك بأن الأفران التقليدية قديمة ومُضرة بيئيا، وأنها تسعى إلى إنتاج منخفض الكربون باستخدام الأفران الكهربائية. نقابات العمال البريطانية رفضت الخطط تماما واستنجدت بالسياسيين الذين «أمموا» الشركة لمنع التطوير والتحديث. الكاتب والمفكر الاقتصادى البريطانى ويل هاتون اتهم الحكومات البريطانية المتعاقبة، خاصة الحكومة العمالية الحالية، بأنها تعيش أسيرة الاقتصاد القديم، ولا تريد أن تصبح البلاد جزءا من الاقتصاد الجديد. وقال إن ما فعلته الحكومة الحالية، فعلته حكومة العمال عام ١٩٧٤، عندما قدمت دعما لمصنع إنتاج الدراجات النارية للحفاظ على العمالة وليس لتحديثه، والنتيجة إغلاق المصنع أبوابه، وكأن التاريخ يُعيد نفسه.

حتى الحكومات المحافظة، وليس العمالية فقط، تعطى الأولوية لبقاء المصانع مفتوحة، ولا يهمها إن كانت تحقق خسائر أم لا، بل إنها ترفض الاستثمار فى الطاقة المتجددة، لأنها تستلزم أموالا هائلة، كما أنها ستقلل عدد الوظائف، وبالتالى، توقف الابتكار وتضاءل دور بريطانيا الصناعى. على النقيض من ذلك، فإن الصين الشيوعية، التى يقول هاتون إنه رغم كونها «دولة قاسية استبدادية، إلا أن شرعيتها تقوم على اقتصاد ناجح، بما يعنى إطلاق العنان للمبادرات والتحديث والاستثمار فى التكنولوجيا المتقدمة». ولكى تحصل الشركات الصينية على قروض من البنوك، يتعين أن تتأكد إدارات البنوك من أن الهدف هو التطوير لزيادة الإنتاج، وليس الحفاظ على العمالة فقط. ليس غريبا إذن أن تستحوذ الصين على نصف إنتاج العالم من الصلب. كما أن استثمارها فى الطاقة المتجددة، وفر لها ٤٠٪ من إجمالى الطاقة المستخدمة.

«جينجى» الصينية شركة خاصة تعمل وفقا لاقتصاديات السوق، لكن المصنع البريطانى، وكذلك الحكومة البريطانية يرفضان أن يعمل المصنع بالطاقة المتجددة، ويصران على استخدام الغاز الأقل كفاءة، لأن ذلك سيضمن وجود عمالة كبيرة، وسيلبى مطالب اللوبى المناهض للتغير المناخى، والذى يضغط لاستخدام الوقود الأحفورى المُضر بالبيئة. الحكومة البريطانية حاولت تسييس القضية وربطها بمزاعم عن رغبة صينية للسيطرة على المفاصل الأساسية فى الاقتصاديات الغربية، إلا أن الواقع يؤكد أن بريطانيا، كما يقول هاتون، بحاجة لإصلاح شامل، وبحاجة أيضا للإيمان بأن الطرق الاقتصادية الحالية المتبعة تنتمى إلى الماضى.

المصري اليوم

يقرأون الآن