بينما تُعقد جولات تفاوضية حساسة بين واشنطن وطهران بشأن البرنامج النووي الإيراني، تفرض سلسلة من الانفجارات الغامضة وأصوات التهديدات الإسرائيلية نفسها على المشهد، لتعيد طرح سؤال مركزي: هل تتجه المنطقة نحو اتفاق دبلوماسي، أم إلى مواجهة عسكرية مفتوحة؟
في الوقت الذي دخل فيه الوفد الإيراني إلى قاعة المفاوضات في مسقط، دوّى انفجار ضخم في ميناء بندر عباس، استهدف حاويات تحتوي على مواد كيميائية مرتبطة بصناعة وقود الصواريخ.
هذا التزامن المريب دفع المحلل السياسي لسكاي نيوز عربية محمد صالح صدقيان، إلى القول: "عندما لا تكون هناك رواية رسمية، ويحدث انفجار كهذا في توقيت متزامن مع المفاوضات، فإن السيناريوهات البديلة تصبح مطروحة بقوة".
وأوضح صدقيان أن غياب رواية رسمية مقنعة يعزز من فرضية أن يكون التفجير مقصودا، مضيفا أن: "من وقف وراء التفجير لا يريد للمفاوضات أن تنجح، وربما أراد التأثير على الجولة الثالثة منها".
وفي الوقت الذي اكتفت فيه بعض المصادر الإيرانية بإرجاع الانفجار إلى "الإهمال"، أصرّ صدقيان على ضرورة تقديم تفسير شفاف، معتبرا أن "الشارع الإيراني لم يعد يرضى بتبريرات عامة في ظل تصاعد التوترات".
من جانبها، شكّكت الخبيرة في شؤون الأمن القومي كلير لوبيز في إمكانية الوصول إلى اتفاق نهائي، معتبرة أن المفاوضات "لا تحرز تقدما يُذكر"، ومضيفة أن: "الموقفين الأميركي والإيراني غير قابلين للتوفيق.. والجانب الإيراني يماطل لربح الوقت".
ورأت لوبيز أن الأهداف الحقيقية لطهران تتجاوز مجرد رفع العقوبات، قائلة إن "النظام الإيراني يسابق الزمن لتطوير رؤوس نووية لصواريخه الباليستية.. وكل محاولة لإعادة إحياء اتفاق 2015 ما هي إلا وسيلة لتأجيل المواجهة".
واعتبرت لوبيز أن الولايات المتحدة، بقيادة ترامب، "لن تقع في فخ التسويف الإيراني"، وأن مطالبها واضحة وتشمل 3 ركائز:
خفض تخصيب اليورانيوم.
تفكيك أجهزة الطرد المركزي.
السيطرة على برنامج الصواريخ الباليستية.
نتنياهو يتحدث بصراحة: النموذج الليبي أو العمل العسكري
في ظل تعثر التفاهمات، يبرز الموقف الإسرائيلي كأكثر الأطراف تصعيدا، إذ دعا رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى اعتماد "النموذج الليبي" في التعامل مع إيران، وهو نموذج ينتهي بنزع شامل للبرنامج النووي، حتى وإن تطلب ذلك استخدام القوة العسكرية.
كما صعّد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس من لهجته، متعهدا بأن تل أبيب "لن تسمح لإيران بامتلاك السلاح النووي"، مشيرا إلى أن "هناك من سينفذ هذه القرارات إذا لزم الأمر".
دبلوماسية ترامب
في هذا السياق المعقد، يبدو أن إدارة الرئيس ترامب تتبع نهجا منفردا، بعيدا عن التنسيق مع القوى الأوروبية أو مجموعة 5+1.
وحول ذلك، يقول صدقيان: "ترامب لا يريد العودة إلى اتفاق أوباما، ولا يشرك الأوروبيين ولا حتى الروس أو الصينيين في المفاوضات".
ويؤكد صدقيان أن إيران، رغم استعدادها للتفاوض، تريد في المقابل رفع العقوبات الأميركية دون تقديم تنازلات "غير قابلة للتراجع"، مبرزا أن طهران أبدت مرونة في عدة ملفات، مثل تقليص نسب التخصيب وتحديد كمية اليورانيوم المخصب.
بين فكي كماشة.. إيران تفاوض.. وإسرائيل تتأهب
المشهد إذن لا يخرج عن إطار معادلة دقيقة: إيران التي تحاول من خلال القنوات الدبلوماسية تقليص العقوبات الأميركية مقابل ضمانات، وإسرائيل التي ترى أن أي اتفاق لا ينتهي بتفكيك كامل للبنية النووية الإيرانية سيكون بمثابة "ترخيص للتسلح النووي".
وعلى حد قول لوبيز: "إذا امتلكت إيران السلاح النووي، فإسرائيل ستكون الهدف الأول... والولايات المتحدة ستكون التالية".
وفي الوقت الذي تُكثّف فيه الدبلوماسية الأميركية جهودها للوصول إلى اتفاق يرضي الداخل والخارج، يظل المسار هشا أمام تفجيرات مشبوهة، وتهديدات عسكرية، وضغوط داخلية على كلا الجانبين.
وبين دبلوماسية ترامب الصارمة وعسكرة نتنياهو المباشرة، يقف البرنامج النووي الإيراني على خط تماس خطير، قد لا يسعفه الوقت كثيرا قبل انفجار سياسي أو عسكري أكبر.