جنَّ الدولار، إنهارت العملة أكثر، إرتفعت الأسعار أكثر فأكثر. حال من الهستيريا سيطرت على الناس في القرى، بات شغلهم الشاغل مراقبة حركة الدولار، وما ستؤول إليه حالهم. الحديث عن أزمة إقتصادية خانقة سيّد المشهد، كل المعطيات تشي بدخول البلد في أزمة اكثر حدّة.
لم يترك الدولار فرصة لأي معالجة سريعة، حتّى مراقبو وزارة الإقتصاد لن يتمكّنوا من ضبط الأسعار، فهي ترتفع «كالصاروخ»، كلّ المشهد يؤكد أنّ جنون الأسعار بدأ يرعب الناس، كلّ شيء ارتفع، من البنزين الى الكهرباء والمياه واللحوم والدجاج وحتى الخضار، أما الحلويات فباتت خارج المشهد، أسعارها اكثر من نار، إرتفعت ضعفين وثلاثة بحجّة «ارتفاع الدولار»، فيما الحقيقة أنها قفزت بشكل جنوني عشية الأعياد.
جمّد الدولار السوق، أوقف حركة البيع والشراء، الكلّ يترقب دخول البلد في أسوأ نفق إقتصادي في تاريخه، حتى في خضمّ الحرب الأهلية لم يترهّل الإقتصاد بهذه الطريقة، وهو أمر يعجز عن تفسيره معظم الإقتصاديين والماليين، فالكل يؤكد أنّ الدولار يتّجه نحو الـ50 ويستشعر الخطر والخوف من فقدان السلع والأدوية. لعلّ الأخيرة دخلت في أتون الخطر، فباتت شبه مفقودة كما حليب الأطفال، والشركات لا تسلّم الصيدليات بحجّة ترقّب حركة الدولار.
الكلّ دقّ ناقوس الخطر، فتسارع الإنهيار ينبئ بالكارثة، فيما السلطة الحاكمة تقف متفرّجة، الناس تموت، حتى الموت بات مكلفاً، الفقير يعجز عن توفير حتى ثمن كفنه وقد تجاوز المليون ونصف المليون، عدا عن كلفة القبر وقد تخطّت الـ4 ملايين.
الناس في وادٍ والسلطة في وادٍ، فالأخيرة لم تقدّم أي خريطة طريق حلّ لأي أزمة، كل الوعود التي أطلقت كانت كاذبة، القطاعات الحيوية تنهار الواحد تلو الآخر، فرواتب القطاع العام ذابت في لهيب الدولار، الإضرابات عادت إلى الواجهة، القطاع المهني الذي يُعدّ العمود الفقري لبناء الدولة دخل في الإضراب، فالأساتذة يريدون حقهم، أشبعتهم الدولة وعوداً فضفاضة لا تطعمهم، باتوا عاجزين عن الوصول الى المهنيات، فالخطابات لا تملأ خزّانات سياراتهم بالوقود، ولا توفّر لهم دواءهم المقطوع ولا تمكّنهم من تأمين طعامهم، نعم الوضع صعب وقاس.
لن يكون التعليم المهني وحده في مهبّ عاصفة الإضرابات، قد تلحق به قطاعات اخرى بعد عطلة رأس السنة، كل المؤشرات تؤكد دخول البلاد في فوضى إقتصادية خطيرة، لن تقوى الدولة على تطويقها.
هل يعلم الزعماء أنّ مواطنين كثراً يحتمون من البرد بحراماتهم لأنّ المازوت بات لمن استطاع اليه سبيلاً، وهل يدركون أنّ المياه مقطوعة والناس أُثقلت بشرائها بسعر الـ500 الف؟ نعم الواقع مأسوي ولا أحد يرحم.
العين كلّها على مراقبي الإقتصاد وجولاتهم لضبط الأسعار، حتى الحلويات لم تسلم منها بعدما باتت أسعارها «مرّة» على المواطن، والغلاء «طاحش» في النبطية، التي تُعدّ الأغلى في لبنان بل بات يصفها كثر بأنّها «موناكو الشرق» وهو ما دفع برئيس مصلحة الاقتصاد في النبطية محمد بيطار الى إجراء «كبسة» على محال الحلويات التي تشهد تفاوتاً في الأسعار للحدّ منها.
طار الدولار وطيّر كل شيء، فما الذي ينتظر الناس بعد؟
رمال جوني - نداء الوطن