نظّمت كلية الحقوق في جامعة الحكمة، قبل ظهر اليوم الجمعة، مؤتمرًا بعنوان: "التحديات أمام السلطة القضائية وسبل معالجتها"، برعاية وحضور وزير العدل عادل نصار، وذلك في حرم الجامعة – فرن الشباك.
حضر المؤتمر ممثل راعي أبرشية بيروت للموارنة المطران بولس عبد الساتر، النائب الأسقفي العام المونسنيور اغناطيوس الأسمر، النائب نديم الجميل، رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، رئيس هيئة التفتيش القضائي القاضي جورج عطية، نقيب المحامين في بيروت فادي المصري، ممثلة نقيب محامي طرابلس النقيبة السابقة ماري تيريز القوال، رئيس الجامعة البروفسور جورج نعمة، عميد كلية الحقوق الدكتور شادي سعد، إلى جانب عدد من الوزراء السابقين والقضاة والمحامين وشخصيات قانونية وأكاديمية وطلابية.
تضمّن المؤتمر ثلاث جلسات عمل، بمشاركة نخبة من القضاة والخبراء القانونيين، وقد جاء في سياق مبادرة جامعة الحكمة لتقديم مقترحات قانونية وعلمية تعزّز النقاش النيابي المرتقب حول مشروع قانون استقلالية السلطة القضائية، الذي أقرّه مجلس الوزراء مؤخّرًا. وتهدف التوصيات المنبثقة عن المؤتمر إلى تحصين هذا المشروع الإصلاحي المنتظر.
استُهل المؤتمر بالنشيد الوطني اللبناني، تلاه نشيد جامعة الحكمة، ثم كلمة ترحيبية لعريف المؤتمر الإعلامي بسام أبو زيد، لُتفتتح بعدها الجلسة الافتتاحية بكلمة عميد كلية الحقوق في الجامعة الدكتور شادي سعد، الذي أشار إلى أن هذا المؤتمر يأتي بعد مرور قرن ونصف على افتتاح أول مدرسة للحقوق في لبنان والمنطقة، مستذكرًا كلمات المؤسس المطران يوسف الدبس حول ضرورة نشر الوعي القانوني، ومواقف الأستاذ الأول في مدرسة الحكمة المحامي نقولا نقاش حول "القانون كأصل ومقياس لكل شيء".
وشدّد سعد على أن "الحكمة"، كما كانت رائدة في الماضي، ما تزال اليوم تسير على الدرب ذاته، وقال: "ما من تجسيد أصدق لكلام سيادة المطران بولس عبد الساتر حول الزعامة الحقة، إلا أن تكون السلطة القضائية حرّة ومستقلة، تشكّل الضمانة الأساس للوطن والمواطنين".
ورأى أن المؤتمر يشكل فرصة للنقاش العلمي حول مشروع قانون استقلالية القضاء، داعيًا إلى "قضاء مستقل عن كل السلطات، نزيه، عصري، منصف، محصن من التدخلات، وله استقلال مالي وموازنة مستقلة، لا يخضع إلا للقانون وحده"، مؤكدًا أن هذا النموذج هو "العدالة التي نستحقها".
بدوره، اعتبر رئيس جامعة الحكمة البروفسور جورج نعمة أن المؤتمر ليس مجرد لقاء فكري بل "محطة مفصلية على طريق إعادة بناء دولة القانون والمؤسسات". وقال: "استقلالية القضاء ليست شعارًا بل هي الضمان الحقيقي لحقوق المواطنين، والحصن في وجه الاستبداد".
وسلط الضوء على الإرث القانوني العريق للبنان، منذ تأسيس مدرسة الحقوق الرومانية في بيروت، وصولًا إلى إنشاء كلية الحقوق في جامعة الحكمة منذ 150 عامًا، على يد المطران يوسف الدبس، والتي خرّجت قامات قانونية كبيرة ساهمت في بناء الدولة.
وأكد أن الجامعة، من خلال رسالتها وقيمها في الحرية والعدالة والكرامة، تضع طاقاتها في تصرف الدولة للمساهمة في نهوض المؤسسات، مشددًا على أن "لا دولة قوية بلا قضاء مستقل، ولا اقتصاد مزدهر بلا عدالة ناجزة، ولا مجتمع متماسك بلا سيادة القانون".
من جهته، ألقى نقيب المحامين في بيروت فادي المصري كلمة أشاد فيها بدور جامعة الحكمة وتاريخها الحقوقي المشرّف، مشيرًا إلى أهمية أن يتحوّل مطلب استقلال السلطة القضائية إلى عمل مؤسساتي واضح تهتم به الدولة.
وعدّد المصري أبرز التحديات التي تواجه القضاء وسبل معالجتها، منها:
تحديث معهد الدروس القضائية وتأهيله ليواكب متطلبات العصر.
إلغاء المحاكم الاستثنائية وعلى رأسها المحكمة العسكرية والمجلس العدلي.
تحسين الوضع المادي والمالي للقضاة وتأمين بيئة عمل لائقة.
فصل السلطات فعليًا وتحرير التشكيلات القضائية من التدخل السياسي.
صون حق الدفاع عبر تطبيق المادة 47 واحترام دور المحامي.
معالجة واقع السجون حيث وصل الاكتظاظ إلى نسبة 286%.
وختم المصري متمنيًا أن يعود لبنان بلدًا يُحترم فيه الإنسان وتُصان فيه الحقوق، ليكون صورة حقيقية لوجود العدالة على الأرض.
وفي كلمته، شدد وزير العدل، عادل نصار، على أهمية استقلالية القضاء، لافتًا إلى أن "الاستقلالية لم تكن غائبة في الماضي، بل كانت تحتاج إلى تطوير وتعزيز".
وأضاف نصار، "نحن اليوم لا نؤسس للاستقلالية من الصفر، بل نبني على ما تحقق، ونسعى إلى سد الثغرات التي ظهرت عبر السنوات".
وأشار إلى أن "مشروع القانون الجديد الذي سيعرض قريبًا على مجلس النواب يرتكز على مبدأ التوازن بين الاستقلالية والتجديد، ويمنح مجلس القضاء الأعلى صلاحيات أوسع مع آليات تعيين تراعي الفصل بين السلطات". كما أكد أن القانون يشمل استقلالية مادية من خلال موازنة خاصة بالمجلس، ويعزز آليات التفتيش القضائي وتقييم الأداء القضائي.
واعتبر نصار أن استعادة ثقة اللبنانيين بالقضاء تمر عبر "الحكمة"، قائلاً: "نحن في معركة مزدوجة: لاستقلالية القضاء، ولاستعادة الثقة به. ومن دون ثقة، لا قيمة للاستقلالية، والعكس صحيح".
واختتم نصار كلمته بالتشديد على ضرورة التزام القضاة بالحياد والشفافية في ممارسة مهامهم، مع احترامهم لحق التعبير ضمن حدود أخلاقيات الوظيفة القضائية.