لبنان

لبنان 2023: بين تطبيع وتنقيب وتسوية أو انهيار

لبنان 2023: بين تطبيع وتنقيب وتسوية أو انهيار

طوت سنة 2022 صفحاتها، ولم تطو فصولها المستمدة من سنوات سابقة في الدوامة اللبنانية التي تفرض التعايش وفق الوقائع السياسية مع الصراعات المذهبية والطائفية داخلياً، والصراع الإقليمي والدولي خارجياً؛ كذلك التعايش مع الفساد وقوننته، أو مع الحروب الأهلية، والوصايات ومناشدات المجتمع الدولي إلى فرض وصايته الكبرى بدلاً من الوصايات الصغرى.

معالم العام 2023 ستكون مرسومة بحبر السنوات التي سبقت، ولذلك لا بد من تحديد محطات أساسية منتظرة فيها بدلاً من الغرق فقط في تعداد مسار المحطات الأساسية التي مرّت فيها البلاد في السنة المنصرمة.

بين التنقيب والتطبيع

شهدت سنة 2022 على الكثير من المتغيرات، كان أبرزها وأهمها ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية والذي وصفه لبنان بأنه إنجاز تحقق، إلا أنه حتى الآن لم تظهر ملامح الإستثمار به. وفيما كان يفترض بشركة توتال أن تبدأ في عمليات التنقيب مع بداية السنة الجديدة، إلا أن تأجيلاً قد حصل بانتظار الربيع المقبل. ملف الترسيم يشكل محطة أساسية حول جوهرية الوجهة السياسية للبنان. واذا ما كان فعلاً سيسلك قطار التطبيع الذي انطلق في المنطقة، ولكن هذه المرة من بوابة النفط والغاز وبطريقة غير مباشرة. ام أن الترسيم ستستفيد منه اسرائيل تنقيباً واستخراجاً وتصديراً فيما اللبنانيون ينتظرون تحولات أكبر؟ يبقى هذا السؤال مركزياً، ولا بد للتطورات الإقليمية والدولية أن تحمل الإجابات حوله، إلا أن مسار الإجابة سيكون طويلاً نظراً لانعدام الإهتمام بالبلد الصغير بعد انجاز الترسيم.

الفراغ الطويل

في السياسة أيضاً، دخل لبنان في الفراغ الرئاسي مجدداً، والذي على ما يبدو مستمر إلى فترة طويلة على الرغم من كل الحركة الداخلية والخارجية القائمة. فحتى الآن لا تزال استكشافية وغير واضحة المعالم، خصوصاً في ظل انشغال الدول بملفات أكبر وأكثر أهمية. أما على صعيد التفاصيل اللبنانية، فقد شهدت نهايات السنة المنصرمة على خلاف واسع في العلاقة بين حزب الله والتيار الوطني الحرّ، وهو خلاف له أسباب متعددة أولها الإنتخابات الرئاسية ورفض رئيس التيار جبران باسيل تبني ترشيح سليمان فرنجية، بالإضافة إلى سعيه لرفع العقوبات الأميركية عنه، وحركته السياسية القائمة على اللقاء والإجتماع بالقوى المختلفة، بما فيها البحث عن جهات سنية يتحالف معها أو يتفاهم بالحدّ الأدنى. يبدو باسيل وكأنه يحاول تنويع خياراته في التهدئة مع الدروز، والبحث عن تفاهمات على الساحة المسيحية، إلى جانب إعادة احياء علاقة مع السنّة، تظهر من خلال محاولات التواصل إلى تفاهم مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على الرغم من الخلاف الكبير، كما تظهر في زيارته إلى صيدا قبل أيام ولقائه ببهية الحريري، أسامة سعد، وعبد الرحمن البزري، ولهذه الزيارات واللقاءات رمزية أساسية لا سيما أنها تأتي بعد رعاية رجل الأعمال علاء الخواجة للقاء بينه وبين سليمان فرنجية، ومعروف أن علاء الخواجة كان عراب العلاقة التحالفية والإستثمارية بين باسيل وسعد الحريري، ولم تخف أسئلة باسيل حول الحريري وإمكانية عودته. هذا الأمر يدفع الآخرين إلى اعتبار أن باسيل يحاول أن ينسج علاقات وتحالفات مع الطوائف الأخرى ليقول للثنائي الشيعي إنه قادر على التحرك وإنه لا بد لهما من مسايرته كي لا يغرد بعيداً.

بكركي تتحرك

هذا مسار سيستكمل في السنة الجديدة، إلى جانب مواقف البطريرك الماروني بشارة الراعي الآخذة في التطور حول الدعوة إلى عقد مؤتمر دولي خاص بلبنان. وتشير مصادر متابعة إلى أن الراعي سيعمل على تكثيف حركته في المرحلة المقبلة، وهو يلتقي بالعديد من الشخصيات والقوى ساعياً إلى توحيد الصفوف والجبهات للتأثير سياسياً في المسارين الداخلي والخارجي. وقد عبر أمام زواره أن حالة الضعف السياسي لديهم هي التي تجعل الآخرين أقوياء وهو يقصد حزب الله بذلك، وفي هذا الصدد، تقول المصادر إن الأسبوع المقبل سيشهد الصرح البطريركي في بكركي لقاءات متعددة بعضها يتضمن مناقشة أوراق وأفكار سياسية عملانية تسعى إلى إقناع البطريركية في رعاية حوار وطني وليس حوار مسيحي مسيحي، وبحال لم تتوفر ظروف ذلك، فسيكون هناك طرح لفكرة أساسية وهي لقاء بعض المتقاطعين سياسياً على أفكار متشابهة برعاية البطريرك لتعزيز قوتهم وحضورهم في المجال السياسي.

بانتظار غودو الاصلاح

ناء على ذلك، وفي ظل استمرار الشغور الرئاسي سيكون لبنان أمام خيارين لا ثالث لهما، إما النجاح في إبرام تسوية داخلية تؤدي إلى انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل للحكومة بالحدّ الأدنى من حدود التسوية الداخلية والرعاية الإقليمية لها كما حصل في تشكيل حكومات ما بعد ثورة 17 تشرين. وبالتالي لن يكون هناك أي تغيير في المسار ولا أي تحسين أو تطوير. أما الخيار الثاني فسيكون الإحتمال هو إطالة أمد الشغور وعدم الإهتمام الخارجي الفعلي بلبنان ما يعني استمرار الإنهيار إلى نهاياته، وهذا يعني التعايش مجدداً مع الفراع والإنهيار والفساد لفترة طويلة بانتظار تبلور مقومات خارجية وداخلية تقود إلى تحقيق الإصلاح الفعلي.  

منير الربيع - المدن

يقرأون الآن