عام التغييرات؟ عام النهايات المفتوحة على احتمالات مجهولة؟ عام الإمعان في الإنهيار وفي نحر الشعب عن سابق تصور وتصميم وتخطيط؟ عام الترقيع بدلاً من البحث عن الحلول الجذرية؟ عام الصراعات السياسية السخيفة على حساب المؤسسات والدولة وهيبتها؟ كلها توصيفات صحيحة لعام يستعد للأفول عن وطن قلّب أيامه على نيران أزمات متناسلة لم تجد طريقها إلى آخر النفق المظلم، ولا شيء يشي بأنها ستوضع على سكة الحل، ما دام الطلاق التام بين الناس ومن يفترض أنهم مسؤولون عن حياتهم وشؤونهم العامة مكرساًَ وتاماً، والصراع الرئاسي والحكومي دائراً على أشده فيما نحن فعلاً في جهنم التي وعدنا بها كبار القادة، ندفع ثمن ممارسات لا علاقة لنا بها، لكنها أيضا كلفة خيارات ركن إليها كثير من الناخبين فمددوا عمر الطبقة السياسية بدلاً من ركوب قطار التغيير عند محطة صناديق الاقتراع.
مع تمزيق الصفحة الأخيرة من رزنامة العام 2022، يودّع لبنان العام الثالث من عمر الأزمة الاقتصادية الأشد فتكاً بالناس ومقدراتهم وأموالهم وجنى أعمارهم، والتي لا شك أن فيها شقا سياسيا لا يستهان به. وقد يكون زعيم تيار المستقبل سعد الحريري أحد أكثر من أدركوا هذه المعادلة وصحتها، بعد أكثر من عامين على اندلاع الثورة وانفجار مرفأ بيروت. ذلك أن بعد استجابة أولى للصرخات الشعبية عبر استقالة حكومته في أعقاب انتفاضة 2019، وعزوفه عن تشكيل الحكومة بضغط من الثنائي الرئاسي ميشال عون- جبران باسيل، اتخذ الرئيس الحريري قرارا جريئا ونادرا في 24 كانون الثاني الفائت بتعليق عمله السياسي حتى إشعار آخر، معلناً في الوقت عينه مقاطعة الانتخابات النيابية التي عادت وأجريت في أيار.
هكذا، انسحب الزعيم الأزرق من الصورة السياسية عائدا إلى عالم الشركات والأعمال في الامارات العربية المتحدة. غير أن الأهم يكمن في أنه ترك الطائفة السنية يتيمة الزعامات والقامات تناطح وحدها المحادل الانتخابية بعد 17 عاماً على اغتيال الرئيس رفيق الحريري. غير أن أحداً لا يشك في أن الطبيعة تكره الفراغ.
تبعا لذلك، سجّلت فترة ما قبل الانتخابات عودة عدد من الوجوه السنية إلى صدارة المشهد، خصوصاً أن القرار الحريري دفع جميع رؤساء الحكومات السابقين إلى الاحجام عن خوض المنازلات الانتخابية، من دون أن يعني ذلك غيابا تاما عن المطابخ الانتخابية. بدليل أن الرئيس فؤاد السنيورة، على سبيل المثال، دعم بقوة لائحة في دائرة بيروت الثانية، في جهود باركها وأيدها بوضوح سفير السعودية في بيروت وليد البخاري، الذي قاد حركة سياسية مكوكية مع كثير من الوجوه السنية. حركة اعتبرت أول غيث العودة السعودية إلى بيروت بعد سنوات سياسية عجاف. غير أنها لم تف بأي من الغرضين، حيث أن الغالبية العظمى من السنة قاطعت الاستحقاق.. غير أن هذا لا ينفي أن حنينا غابرا إلى زمن الحريرية السياسية أعاد بعض نواب تيار المستقبل إلى المجلس من خارج العباءة الزرقاء، بينما استفادت الثورة ومرشحوها من الاحباط السني لتسجيل مكاسب كبيرة في دائرة بيروت الثانية، المعقل الأول للحريري وتياره.
كذلك، وعلى طريقة "مصائب قوم عند قوم فوائد"، خدم غياب تيار المستقبل مرشحي الثورة حاملي شعار التغيير في وجه منظومة "كلن يعني كلن" في دائرة الشوف-عاليه، القلعة الجنبلاطية الحصينة. هنا أيضاً، سجّلت الثورة ثلاثة خروق قد يكون ساهم في جانب منها قبة باط جنبلاطية. أما باقي النواب التغييريين فهم من بيروت الأولى ومن دائرة الشمال الثالثة (زغرتا، بشري، الكورة، البترون) ذات الغالبية المسيحية الساحقة، وحيث تنافس أهم المرشحين الرئاسيين الطبيعيين، أولهم رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، وخصمه اللدود الأهم، رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، إضافة إلى زعيم تيار المردة سليمان فرنجية، المرشح الرئاسي الدائم، مع العلم أنه كان أول من دفع ثمن التسوية الرئاسية الشهيرة عام 2016.
بعد 6 سنوات، مني الزعيم الشمالي بخسارة كبيرة، حيث أنه لم ينجح إلا في ايصال مرشح من قضائه إلى الندوة البرلمانية(نجله طوني فرنجيه)، بينما أحدث النائب التغييري ميشال الدويهي مفاجأة كبيرة باختراق قلعة المردة الحصينة، مع احتفاظ الخصم التقليدي لفرنجية النائب ميشال معوض بمركزه النيابي. على أن فرنجية لم يكن وحيدا في تلقي الخسائر "على أرضه". حيث أن خصمه التاريخي سمير جعجع خسر احتكار التمثيل السياسي في بشري، بفعل فوز النائب وليام طوق من لائحة فرنجية في الانتخابات. في المقابل، سجل التيار الوطني الحر خسائر كبيرة، بدليل أن بعبدا ودائرة كسروان باتت ممثلة بنائب واحد (آلان عون وندى بستاني)، مع العلم أن باسيل نفسه نجح في المعركة الانتخابية بصعوبة، بعدما حل ثانيا في البترون، في مؤشر إلى تراجع شعبية التيار الوطني الحر على وقع الفشل والنقمة الشعبية ضد العهد العوني، الذي تقول شريحة واسعة من الناس أنه لم يكن عند مستوى طموحات وانتظارات الشعب من عهد ورئيس سارع إلى وسم نفسه بالقوة تحت شعار استعادة حقوق المسيحيين وحضورهم في أروقة القرار الرسمي.
على أن كل ما جرى في خلال السنوات الثلاث المنصرمة بدا وكأنه في آخر اهتمامات أركان العهد الذين مضوا في سياسة "ما خلونا" لتبرير الفشل الذريع على مختلف المستويات، مفضلين رمي الكرة في ملعب الخصوم والحلفاء على السواء، بدليل تردي العلاقات بين التيار الوطني الحر وحزب الله، وقد بلغت أدنى مستوياتها منذ ابرام تفاهم مار مخايل، على وقع اتهام باسيل للحزب بعدم ملاقاته إلى منتصف طريق الحرب على الفساد، تماما كما تخلى عنه عندما عارض عودة الرئيس نجيب ميقاتي إلى السراي الحكومي بعد الانتخابات. غير أن الفيتو المسيحي من جانب التيار والقوات (التي تقول إنها خرجت من الانتخابات بأكبر كتلة نيابية مسيحية) والكتائب وعدد من المستقلين لم تمنع الضاحية من تنفيذ مبتغاها في تكليف ميقاتي لتشكيل حكومة لم تبصر النور قبل نهاية عهد الرئيس ميشال عون. ذلك أن بين حزيران، تاريخ التكليف، ونهاية الولاية الرئاسية في 31 تشرين الأول، احتدم الصراع السياسي بين ميقاتي والثنائي عون-باسيل، بما أعاق وضع الحكومة على السكة، فانتقل ميقاتي إلى ضفة تصريف الأعمال في انتظار انتخاب خلف للجنرال.
وفي عز الكباش السياسي المعطوف على انهيار اقتصادي غير مسبوق، غادر عون قصر بعبدا تحت أنظار أنصاره الذين كانوا وحيدين في مواكبته شعبيا، بينما كان كثير من اللبنانيين يعبرون عن نوع من السعادة لنهاية الولاية التي لم تلب طموح اللبنانيين الذين رأوا مدخراتهم تتبخر أمام أعينهم. وبينما انتظر الناس خطابا يصحح بعض الأخطاء، خرج الرئيس بخطاب يرمي كالعادة كرة الفشل في ملعب الخصوم الرئاسيين المعتادين، والمرشحين المحتملين للرئاسة الأولى، بينهم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ورئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود.
ولا شك في أن وضع الرجلين في موقع المواجهة مع الرئاسة والقيمين عليها جعلهما في دائرة الضوء السياسية والسجالية. فالسلطة القضائية عرفت خلال العام المنصرم خضة كبيرة تمثلت في إضراب القضاة، في خطوة نادرة فرضها الانهيار المرعب في الليرة اللبنانية وتدهور قيمة الرواتب, على أن هذه لم تكن الخضة الوحيدة، حيث أن القاضية غادة عون (المحسوبة على التيار الوطني الحر) كررت ظاهرة اجتياح المصرف المركزي بحثا عن سلامة، الذي تتهمه القاضية عون وفريقها السياسي بالاثراء غير المشروع والمساهمة في الانهيار الذي لم يتحرك للجمه. غير أن كل محاولاتها باءت حتى اللحظة بالفشل، مع العلم أن ولاية الحاكم تنتهي خلال أشهر. وهنا أيضا مكمن خطورة إطالة أمد الفراغ الرئاسي.
وقبل الغوص في دهاليز الفراغ الرئاسي الذي تشير كل المعطيات إلى أنه سيكون مديداً، لا بد من الاضاءة على تطور طال انتظاره للرهان على هدوء طويل الأمد على الجبهة الجنوبية. فبعد أكثر من عقد على وضع الاتفاق الاطار لترسيم الحدود بين لبنان والعدو الاسرائيلي، أثمرت الوساطة الأميركية بين بيروت وتل أبيب اتفاقا جديدا لترسيم الحدود بين الطرفين بعد مفاوضات مضنية خاضها المبعوث الأميركي (اليهودي الاسرائيلي) أموس هوكشتاين، مع العلم أن معلومات صحافية كثيرة تقاطعت عند نقطة أن الرجل خدم في الجيش الاسرائيلي. وفي وقت سارع العهد القوي إلى استثمار هذه النهاية السعيدة واعتبارها إنجازا من شأنه تعويم العهد القوي وانقاذه من السقوط الشعبي، كاد الاتفاق أن يفجر أزمة سياسية في إسرائيل، بعدما عبر رئيس الحكومة الجديدة بنيامين نتنياهو عن معارضته للخطوة، مؤكدا أنها لا تلزم حكومته بشيء.
أما في لبنان، فتعدّدت القراءات بين من رأى في الاتفاق مكسبا كبيرا للبنان الذي يحتاج إلى أي خشبة خلاص نفطية، ومن اعتبر أن فيه تنازلات كثيرة لا تخدم وطن الأرز خصوصاً أن تل أبيب بدأت عمليات استخراج النفط من حقل كاريش، فيما لبنان نال حقل قانا الذي لا شيء يؤكد أنه يحوي الثروة النفطية التي يحلم بها الناس. لكن المؤكد يكمن في أن بلاد الأرز لن تستطيع الاستفادة من عائدات النفط قبل 7 سنوات على الأقل.
وما بين النظرتين، ارتفعت الأصوات التي اعتبرت أن توقيع الاتفاق يعد اعترافا بوجود الدولة العبرية، بما ينفي ذريعة إبقاء حزب الله على سلاحه لـ "مقاومة" العدو الاسرائيلي الذي بات طرفا في اتفاق سياسي مع لبنان. مطالبات أدار لها حزب الله أذنه الصماء. فالمعركة كانت بالنسبة له في مكان آخر، في فرض إعادة تكليف الرئيس نجيب ميقاتي، برغم اعتراض الحليف البرتقالي. لكن الأهم يكمن في مكان آخر: ذهبت حارة حريك بعيدا في المواجهة مع باسيل، إلى حد دعم زعيم تيار المردة سليمان فرنجية إلى الرئاسة، على حساب رئيس التيار الذي يعتد بكونه يتزعم كتلة نيابية كبيرة، بما يجعله مرشحا "طبيعيا" لخلافة عمه الرئيس ميشال عون. موقف الحزب هذا أزّم بطبيعة الحال العلاقة بين فرنجية وباسيل، بعدما فشل الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله في ترطيب الأجواء بين الطرفين على إفطار جمعهما في نيسان الفائت.
ولأن الحزب يتقن فن إمساك العصا من وسطها، تريث في الكشف عن مرشحه الرئاسي، مفضلاً الهروب إلى الأمام عن طريق التصويت بورقة بيضاء في جلسات الانتخاب الرئاسي التي بلغ عدادها الرقم 10 من دون تسجيل خروق تذكر. ففي موازاة التصويت "الأبيض"، يلعب الحزب ورقة الانسحاب من الجلسات الرئاسية وتعطيل النصاب في الدورة الثانية، في انتظار التوافق العريض على اسم الرئيس المقبل. إلا أن كثيرا من القوى المعارضة فهم الرسالة جيدا: بالنسبة إلى القوات والكتائب والحزب التقدمي الاشتراكي وعدد من المستقلين ونواب الثورة، يريد حزب الله الرهان على الوقت لإضعاف خصومه وفرض إرادته الرئاسية مجددا. فكان لا بد من الركون إلى المواجهة، عبر تأييد من تسميه هذه القوى "مرشحا سياديا إصلاحيا" هو النائب ميشال معوض، الذي حصد نتائج لا بأس بها حتى الآن. إلا أن هذا الخيار كشف بعض عورات القوى المعارضة، لا سيما لجهة نواب الثورة الذين رفضوا السير بهذا الخيار لأسباب عدة، بما ساهم في فرط عقد تكتلهم. نتجية بدت طبيعية بفعل الاختلافات الكبيرة في وجهات النظر بين هؤلاء النواب، بما يفسر الخسائر السياسية الكبيرة التي سجلوها منذ دخولهم مجلس النواب، خصوصاً في ما يتعلق بانتخاب نائب رئيس مجلس النواب، المنصب الذي اقتنصه المرشح العوني الياس بو صعب، الذي، وبرغم الاشتباك السياسي البرتقالي مع بري، لعب دورا كبيرا في ملف ترسيم الحدود.
وفي انتظار جلاء الصورة الرئاسية، ليس في الأفق ما يشير إلى أن دعوة الرئيس نبيه بري إلى الحوار ستسلك طريقها، بعدما أصيبت برصاصات عونية وقواتية قاتلة، تمضي البلاد في طريقها إلى جهنم الاقتصادي والمالي على وقع الانهيار المرعب في قيمة الليرة اللبنانية، بما يجبر المصرف المركزي على اللجوء الخطر إلى الاحتياطي للجم التدهور عندما يلامس الخطوط الحمر النفسية كعتبة الـ50 ألف ليرة للدولار، في خطوات تضع الناس تحت رحمة مافيات البنزين المهرب إلى سوريا من دون أن يرف جفن رسمي لأحد من المسؤولين، والدواء المقطوع، وتجار القمح والطحين الذين ينهشهم الطمع وجوع الربح. كل هذا يجري فيما هناك من يطلق التصاريح اليومية عن محاربة الفساد والفاسدين، من غير أن يقرن أقواله بالأفعال، مع العلم أنه في موقع القوة. لكن الموضوعية تقتضي الاعتراف بأن توقيفات كبيرة سجلت أخيرا في "الميكانيك"، حيث تقبع مديرة النافعة هدى سلوم وراء القضبان شأنها في ذلك شأن عدد من موظفي الدوائر العقارية في بعبدا. لكن ذلك يبقى قاصرا عن وضع حد لهذه الظاهرة التي ندفع ثمنها من أرواحنا وأعمارنا وجنى عمرنا.
على أن الأزمات الكثيرة التي عرفها لبنان في 2022 لم تمنع بعض نقاط الضوء من السطوع في النفق المظلم، يبقى أبرزها فوز فرقة مياس للرقص التعبيري بالنسخة الأميركية من البرنامج العالمي America's got talent، بعد أسابيع على تحقيق منتخب لبنان لكرة السلة (للرجال) إنجازا تمثل في الوصول إلى نهائيات بطولة آسيا لكرة السلة. وفيما خسر المنتخب المباراة أمام أوستراليا، حصد اللامع وائل عرقجي لقب أفضل لاعب في آسيا.
في المقابل، سجّل العام المنصرم عودة المهرجانات الصيفية بعد غياب لثلاث سنوات فرضته الكورونا وقيودها، كما عودة مسابقة ملكة جمال لبنان، بعد 4 سنوات على السهرة الجمالية الأخيرة. وبنتيجة المنافسات، حصدت الشابة الجنوبية ياسمينا زيتون اللقب خلفا لمايا رعيدي التي احتظفت بالتاج منذ العام 2018.
ولأن الفرح بات عملة نادرة في جمهورية الفشل التي نحن فيها، لا بد من الاضاءة على قصة حب أثلجت قلوب الناس، بعدما نبتت فعلاً "من رحم الأحزان". ذلك أن فيما كانت المنظومة السياسية تمعن في عرقلة التحقيق القضائي في جريمة انفجار مرفأ بيروت، كان قلب وليام نون، شقيق الشهيد جو نون، والشاب الجريء الذي لا يخشى المواجهة مع محترفي السياسة وزواريبها، يدق للشابة ماريا فارس، شقيقة الشهيدة سحر فارس (التي سقطت وزميلها جو شهيدة نداء الواجب عندما هب فوج إطفاء لأخماد الحريق الذي أحدثه أول انفجار هز المرفأ في ذلك اليوم الأسود). وقد أعلن "عصفورا الحب" خطوبتهما قبل نحو أسبوعين، في خبر أفرح اللبنانيين جميعا، بعد عامين على النكبة.
على الضفة المقابلة، كان سجّل الوداعات في عام 2022 حافلاً وثقيلاً، حيث خطف الموت المباغت رجل الأعمال ميشال مكتف، بعد أكثر من عام على المداهمات التي نفذتها القاضية غادة عون ضد مكاتب شركته المتخصصة في نقل الأموال، ما دفع إلى الكلام عن أن الوفاة أتت نتيجة للضغط النفسي الذي أحدثه إقفال الشركة بالشمع الأحمر على مدى عام كامل. أما على المستوى السياسي، فقد ودع لبنان عددا من النواب السابقين الذين كانت أسماؤهم لامعة يوم كانت السياسة مرادفا حقيقيا للنضال في سبيل الخير العام. وهي حال النواب السابقين كميل زيادة وبيار الدكاش وصلاح الحركة إضافة إلى النائب القومي السابق غسان الأشقر (شقيق الممثلة والمخرجة المسرحية نضال الأشقر). كذلك هوت قبل أيام من ختام العام الذي نودعه بعد ساعات السيدة شاديا تويني، أرملة عميد الصحافة والسياسة والديبلوماسية اللبنانية غسان تويني، الذي لا يشك أحد في أن زوجته الثانية (شقيقة الوزير السابق وديع الخازن) التي هزمها السرطان الخبيث نفخت فيه روح الحياة بعد التراجيديا الاغريقية التي طبعت مساره العائلي، وهو الذي ودع أفراد عائلته واحدا بعد الآخر، وبقي صامدا إلى أن سكت قلبه الحزين قبل عقد.
كذلك، خسر لبنان في عز العام 2022 واحداً من ألمع أطبائه البروفيسور روي نسناس الذي سيتذكر الناس من دون شك إطلالاته التلفزيونية في زمن الحجر المنزلي في مواجهة كورونا، وهو الذي لم يكن يدري أن الفوز بالحرب على الجائحة لن يمنع السرطان من الفتك بجسمه النحيل وحرمانه حياة أحبها وحفر خلالها اسمه في الذاكرة الجماعية اللبنانية .
لكن الخسائر الأكبر في لبنان خلال العام المنصرم كانت فنية من دون شك. ذلك أن المسرح اللبناني أسدل الستارة قبل أسابيع على رحلة إبداع خطها بأنامل من فرح وموسيقى الكبير روميو لحود الذي تعب قلبه الكبير فسكت عشية عيد الاستقلال، بعد أسابيع على غياب الممثل السينمائي الكبير شوقي متى (الذي أعاده مسلسل "عصر الحريم" للكاتبة منى طايع إلى الشاشة الصغيرة في دور "صافي"، الذي قدمه في إطار ثنائية متناغمة مع الممثلة هيام أبو شديد). وقبل هذه النكسة، سقط أيضاً الممثل الكوميدي بيار شمعون عن صهوة جواد فنه الذي أضحك ملايين المشاهدين على المسرح كما في المسلسلات المحلية.
ولأن اللّعنة لا ترحم أحداً، ودّع لبنان الممثل القدير ذي ضوت الاستثنائي غسان اسطفان الذي أمضى سنواته الأخيرة غائبا عن الكاميرا، شأنه في ذلك شأن الممثل فادي متري، الذي عاد من أضواء السينما الفرنسية إلى شاشات الدراما المحلية قبل 10 سنوات، بدور القائد التركي "رستم أفندي" في مسلسل "وأشرقت الشمس"، وهو من أروع ما كتبته منى طايع أيضا. يوم الجمعة، انتصر السرطان على متري الممثل، تماما كما غلب المرض الفنان سامي كلارك، صاحب اشهر الأغنيات التي رافقت اللبنانيين في خلال سنوات الحرب العجاف. إلى ذلك، فقدت الموسيقى اللبنانية اسمها المعاصر اللامع الملحن إحسان المنذر، الذي يقف بألحانه وراء أجمل عطاءات الفنانة ماجدة الرومي، كرائعة "ما حدا بعبي مطرحك بقلبي". على أن الرومي أقدمت على مبادرة إنسانية رائعة تمثلت في تأهيل طريق المصنع الحدودية، حيث وقع حادث سير مروع أودى بحياة المغني جورج الراسي، في مشهد أعاد إلى الأذهان رحيل الممثل عصام بريدي بطريقة مماثلة قبل 7 سنوات.
يارا أبي عقل - المركزية