عندما قرّر الرّئيس الأميركي دونالد ترامب زيارة المملكة العربية السعودية والخليج العربي لم يكن على جدول أعماله لقاء الرئيس السوري أحمد الشّرع!
ومن يعرفُ ترامب أو من يتابع مواقفه وقراراته يعرف جيّداً أن الرّجل لا يأتمر إلّا بنفسه ولا يؤمن إلّا بقدراته ولا يُعير أهميّة إلّا لمصالحه ومصالح الولايات المتّحدة الأميركية.
لكنّ وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان رسم جيّداً لهذا اللقاء وخطّط لمطالبه من ترامب وكان قد عبّد الطريق قبل ذلك بلقاء الرّئيس السوري وأخذ التطمينات اللازمة في ملف مكافحة الإرهاب والتطبيع مع إسرائيل، كما استقبل بن سلمان الرئيس اللبناني جوزاف عون واطمأنّ منه إلى جدية بناء دولة في لبنان وحصر السلاح بيد الشرعية وإنهاء نفوذ “حزب اللّه” في مفاصل الدولة، وبعدها نسّق مع الأميركيين في الملف اللبناني كما السوري تحضيراً للشرق الأوسط الجديد وفق ما ورد في "نداء الوطن".
وإذا كان غير مفاجئ إعجاب ترامب بالرئيس عون وتأكيده حسن إدارته الدولة، فليس أمراً عاديّاً أن يستقبل رأس الشرعية الدولية من كان على رأس الإرهاب في سوريا. فالشّرع كان مطلوباً أميركياً ودولياً لكنّه عرفَ متى وكيف يتحوّل من “أبو محمد الجولاني” إلى أحمد الشرع تحت مظلّة بن سلمان التي أعطته شرعية دولية أدّت إلى رفع العقوبات عن سوريا وإعادتها إلى الحضن العربي.
في أقلّ من سنة تحوّل الشرع من إرهابيّ بنظر العالم إلى قائد سوريا الجديدة بمباركة بن سلمان الذي يرعى اليوم الشرق الأوسط الجديد، بعدما استطاع إقناع واشنطن بضرورة تقليم أظافر إيران في المنطقة وبضرورة قيام دولة فلسطينية تحفظ حقوق الفلسطينيين المنطقية والمشروعة، وبضرورة لجم إسرائيل والحدّ من أطماعها وبضرورة التنسيق مع تركيا بقيادة رجب طيب أردوغان. بن سلمان اعتمد سياسة مدّ اليد للدول العربية والإسلامية لإعطائها فرصة جديدة في العودة إلى تكوين ذاتها، بعدما دمّرتها سياسة إيران التخريبية وسياسة النظام السوري السابق المتمثلة بآل الأسد. وإذا سأل كثيرون عن سبب عدم لقاء ترامب الرئيس عون بعدما التقى ترامب الشرع فالجواب واضح. ترامب أعطى بلقائه الشرع شرعية لرئيس مشكوك بمؤهّلاته القيادية في وقت لا يحتاج عون إلى شهادة حسن سلوك من أحد، لا بل إن ترامب أشاد بالرئيس اللبناني الذي اختبرته الإدارة الأميركية يوم كان قائداً للجيش ودعمته في الوصول إلى رئاسة الجمهورية، وأي لقاء سيكون بين ترامب وعون سيأتي تتويجاً لقيام دولة لبنانية حقيقية ما يعني أن موعد اللقاء ليس ببعيد.
على صعيد آخر، ظهر فريق الممانعة خلال زيارة ترامب الخليج العربي بمظهر المهزوم المنكسر، فلا إسرائيل ستفنى ولا ولاية الفقيه ستنتصر ولا ديمومة للسلاح. اختصر المشهد ترامب حين طالب اللبنانيين بالتخلّص من سلاح “حزب اللّه” هذا “الحزب” الذي نهب الدولة وضرب بيروت. حسمها ترامب معلناً نهاية “حزب اللّه” ونهاية من يقف وراءه وبداية مرحلة جديدة تغيّرت فيها القوى الإقليمية وبقيت السعودية الضامن الأهم للكِيان اللبناني ولمستقبل جمهورية لم ولن تموت يوماً، فهل سيعرف “حزب اللّه” أن لا خلاص له إلّا بتغيير البوصلة وتحويلها إلى لبنان؟ وهل سيسلّم سلاحه لنصبح قريباً في مصاف الدول العربية القادرة على استقطاب رئيس جمهورية أعظم دولة في العالم؟ وهل سيدع بيئته تحيا وتحلم وتبني مشروعاً لبنانياً بعيداً من المال الإيراني والسلاح الإيراني والأدلجة الإيرانية؟ هي أسئلة فرضها الشرق الأوسط الجديد مع تحوّلاته والإجابة عنها لن تكون إلّا في الأيام والأسابيع المقبلة فإمّا “حزب اللّه” يرضخ لقيام الدولة وإلّا فلكل حادث حديث بحسب "نداء الوطن".