عربي

المشروع الإيراني في مواجهة العمل العربي المشترك

المشروع الإيراني في مواجهة العمل العربي المشترك

لا يمكن قراءة زيارة قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني إلى بغداد عشية القمة العربية في 17 أيار 2025، خارج سياق أوسع يتمثل في استراتيجية إيرانية تقوم على الفوضى المُوجَّهة كأداة نفوذ. هذه الفوضى لا تُنتج تحالفات ولا مشاريع متكاملة، بل تُعيد تشكيل الساحات العربية على أنقاض السيادة، لصالح منظومات غير رسمية من الميليشيات، الاقتصاد الموازي، والتدخلات العابرة للحدود.أولًا: السياق الجيوسياسي – الرد الإيراني على الحلف العربي- الأميركيفي الوقت الذي كان فيه الرئيس الأميركي يجري جولة استراتيجية في الخليج (شملت السعودية، الإمارات، وقطر)، بهدف دعم تحالف أمني اقتصادي يُواجه التهديدات الإيرانية، سارعت طهران إلى إرسال قاآني إلى بغداد كرسالة مضادة وفق ما ورد في "نداء الوطن".

• الرسالة الأولى: تذكير بأن العراق، رغم استضافته القمة، لا يزال خاضعاً لنفوذ طهران، وبأن القرار السيادي فيه مرتهن لـ”الحشد الولائي” أكثر من مؤسسات الدولة.

• الرسالة الثانية: أن إيران، التي غُيّبت عن مشهد القمة سياسياً، تستطيع فرض نفسها عسكرياً وأمنياً عبر أدواتها الميدانية، وتسرق الأضواء من أي محاولة لبناء موقف عربي موحد.

ثانياً: أدوات التشويش – كيف تُخرب إيران التوافق العربي؟

1. اختراق العمق العربي عبر بغداد

اختيار توقيت الزيارة يهدف إلى إضعاف رمزية انعقاد القمة في عاصمة عربية مؤسِّسة للجامعة العربية، وتحويلها إلى ساحة تصفية حسابات إقليمية.

2. إحياء محور المقاومة عبر منطق التخريب

بعد تراجع حضور إيران في لبنان وسوريا، تُحاول طهران استخدام العراق لتأكيد أنها ما زالت قادرة على العبث بالتوازنات الإقليمية، ولو عبر تحريك ميليشيات لا تخضع لأي منطق دولة.

3. تحويل القضية الفلسطينية إلى أداة انقسام

تُوظف إيران علاقتها بفصائل فلسطينية متشددة (كـ “الجهاد الإسلامي” و”حماس” ) كأداة لتفجير أي تقارب عربي حول السلطة الفلسطينية، وتقديم نفسها كبديل للشرعية الفلسطينية، بينما الهدف هو تعطيل وحدة الموقف العربي وليس الدفاع عن الحقوق.

ثالثاً: الآثار العملية – تقويض العمل العربي المشترك

• استنزاف سيادة العراق: بتكريسه كمنصة للتهديد والابتزاز، لا كشريك عربي في مواجهة الأزمات.

• تفريغ الأجندة العربية وتحويلها إلى إدارة أزمات أمنية متكررة.

رابعاً: الدلالة العميقة – الفوضى كجوهر للمشروع الإيراني.

تؤكد زيارة قاآني أن إيران لا تسعى للاندماج في منظومة إقليمية متوازنة، بل لتكريس حالة تعطيل مزمن للدولة الوطنية، عبر أدوات لا تتغير:

• الاغتيال والتهديد الأمني بدل الحوار.

• الميليشيا بدل الجيش.

• العقيدة العابرة للحدود بدل الهوية الوطنية.

وهي بذلك تُعيد إنتاج نفسها كلاعبٍ غير مسؤول، يعيش على حافة الفوضى، ويُجهض أي مقاربة لبناء نظام عربي متماسك.

خامساً: هل نجحت طهران في التشويش على القمة؟

نجحت إيران في التشويش الرمزي، لكنها فشلت في كسب الشرعية. بل كشفت:

• هشاشتها الإقليمية، واعتمادها على أدوات أمنية لا دبلوماسية.

• تراجع صورتها أمام الرأي العام العربي، بخاصة في العراق ولبنان واليمن.

القوى العربية، من جهتها، باتت أكثر إدراكاً لضرورة التحول من التكيف مع الفوضى إلى مواجهتها.

من زيارة قاآني إلى استراتيجية الردع العربي

في المحصلة، زيارة قاآني ليست حدثاً طارئاً بل هي جزء من نمط ثابت في السياسة الإيرانية الإقليمية، يقوم على الفوضى والتخريب وتصدير الأزمات. لكنها أيضاً لحظة كاشفة تُحتِّم على العرب أن يتحولوا من رد الفعل إلى الفعل، ومن التصدّي الآني إلى بناء نظام ردعٍ عربي مستدام، سياسياً وأمنياً واقتصادياً.

فإما أن نُتمم مواجهة الفوضى الموجهة بمنطق السيادة والتنمية والتحالفات الرصينة، وإما أن نترك مشروع الدولة رهينة “الزائرين بالنيابة” أمثال قاآني بحسب "نداء الوطن".

يقرأون الآن