في تطور لافت على صعيد التوترات في البحر الأحمر، تشير تقارير إلى أن جماعة الحوثي المدعومة من إيران قد أوقفت مؤقتاً هجماتها على خطوط الملاحة الدولية في المنطقة. ويأتي هذا التراجع في سياق ضغوط متزايدة من المجتمع الدولي، إلى جانب الضربات الجوية الأميركية التي، وفقاً لمصادر دبلوماسية، ربما ساهمت جزئياً في تغيير استراتيجية الجماعة، وإن لم تكن العامل الحاسم بمفرده.
ويؤكد محللون أن القرار الحوثي بالتراجع عن استهداف السفن قد يكون مؤشراً على إعادة تقييم للمكاسب والخسائر الناتجة عن التصعيد في البحر الأحمر، خاصة بعد أن أبدت واشنطن وحلفاؤها استعداداً متزايداً للردع العسكري. ورغم ذلك، تبقى التهدئة "هشة"، في ظل استمرار التوترات الإقليمية وتعقيد المشهد اليمني.
جيمس هولمز
تناول جيمس هولمز، محارب مخضرم سابق ودكتور في العلوم العسكرية والسياسية، الأسباب المحتملة التي دفعت جماعة الحوثي إلى وقف هجماتها على الملاحة الدولية في البحر الأحمر، مؤكداً أن الضربات الجوية الأميركية ربما لعبت دوراً جزئياً في تعديل حسابات الحوثيين، دون أن تكون "حاسمة بحد ذاتها".
وقال هولمز في مقاله بموقع مجلة "ناشيونال إنترست" الأميركية، إن وقف إطلاق النار لا يعني تحقيق السلام، بل يمثل نتيجة مؤقتة ضمن حملة عسكرية أوسع ما تزال مستمرة ضد إسرائيل، وأن قرار الحوثيين نابع من حسابات كلفة وفائدة أكثر من كونه نتيجة لهزيمة عسكرية مباشرة.
وأشار الكاتب إلى أن القوة الجوية الأميركية ربما ساعدت بضرباتها المحسوبة، دون هجوم بري موازٍ، في دفع جماعة الحوثيين إلى إعادة حساباتها بما يخدم موقف واشنطن، وإعلانها وقف هجماتها على السفن العابرة للبحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن.
وكان هولمز قد كتب مقالاً سابقاً في أواخر مارس (آذار) لمجلة "ذا ناشيونال إنترست"، أيد فيه رأي الأدميرال جاي سي وايلي، الذي رأى أن القوة الجوية وغيرها من أشكال الحرب "التراكمية" والمتفرقة، لا يمكنها أن تحسم الصراع العسكري بمفردها، مشيراً إلى أن الغاية من الاستراتيجية العسكرية هي فرض السيطرة على أرض أو موقع ذي أهمية استراتيجية.
وأوضح وايلي أن القصف الجوي لا يعادل السيطرة الفعلية، إذ تستطيع القوات البرية أن تفرض سيطرة دائمة ومُحكمة.
ومن هنا، فإن القوات الجوية والصاروخية تظل أذرعاً "مساندة" للقوة البرية، أي بعبارة أخرى القوة الجوية مهمة، لكنها غير كافية لتحقيق النصر أو فرض السلام بعد الحرب، ولا نتائج دائمة دون قوة برية.
ليس سلاماً
وأكد الكاتب أن هناك نقطتين أساسيتين يجب التوقف عندهما، أولاً، لكي نحكم على ما إذا كانت حملة عسكرية حاسمة، يجب أن نحدد ما المقصود بـ"الحسم". وكما هو الحال مع كثير من المصطلحات في مجال الحرب، لا يوجد تعريف متفق عليه عالمياً.
أما التعريف الذي نستخدمه غالباً في أروقة "كلية الحرب البحرية" في نيوبورت، فهو مستمد من كارل فون كلاوزفيتز، المفكر العسكري البروسي في القرن التاسع عشر. وبقراءة متعمقة بين السطور، يمكن اعتبار أن "الهجوم الاستراتيجي الذي يؤدي مباشرة إلى السلام" هو الحملة الحاسمة.
لكن كلمة "مباشرةً" هنا محمّلة بالدلالات. فقد تعني الزمن؛ أي أن الهجوم يؤدي إلى السلام بسرعة، أو تعني الجغرافيا؛ أي أن السلام يأتي بمجرد السيطرة على أرض أو مدينة أو قوات معادية، أو تعني الأمرين معاً.
لكن الحملة الجوية والصاروخية التي قادتها البحرية الأميركية ضد الحوثيين لم تؤدِ إلى السلام، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، بل إن المتحدثين باسم الحوثيين أكدوا أن الهجمات ضد إسرائيل - وهي الهدف الرئيس لحملتهم - ستستمر ولن تتأثر بوقف إطلاق النار.
وواصل الحوثيون إطلاق الصواريخ باتجاه الدولة العبرية، وما أنتجته الضربات الأميركية هو، في أحسن الأحوال، وفقاً لهولمز، توقف مؤقت في جزء ثانوي من الهجمات على الممرات الملاحية الإقليمية، وهي الهجمات العشوائية على السفن التجارية قليلة الأثر في الضغط على إسرائيل، لذلك فإن وقفها لم يكن قراراً صعباً.
من هنا، يعتقد هولمز أن أقصى ما يمكن الادعاء به لصالح فاعلية القوة الجوية في البحر الأحمر هو أنها دفعت الحوثيين إلى تقليص جزء من حملتهم، وهو الجزء الذي كان يكلفهم كثيراً من البنى التحتية والعتاد، في حين لم يكن يساهم بشيء يُذكر في هدفهم الأساسي، وهو إجبار إسرائيل على وقف هجومها في غزة. ووفقاً لهذا المعيار، فإن التفاخر بدور القوة الجوية يبدو سابقاً لأوانه على أقل تقدير.
الحرب معادلة كلفة وفائدة
وتناول هولمز فرضية الأدميرال وايلي التي تقلّل من أثر العمليات التراكمية كالغارات الجوية، مشيراً إلى أن المفكر العسكري كلاوزفيتز يوفر إطاراً أفضل لفهم سلوك الأطراف في الحروب.
وبحسب كلاوزفيتز، فإن قيمة "الهدف السياسي" هي التي تحدد حجم الإنفاق العسكري ومدته، مما يحدد الكلفة الإجمالية للحرب.
وكلما قلّت جدوى الهدف مقارنة بتلك الكلفة، زاد احتمال أن يقرر القادة وقف الحملة، كما أن الطرف المقابل يستطيع رفع "سعر" الهدف عبر الضغط العسكري، مما يربك حسابات الخصم ويغير أولوياته.
ومن هذا المنطق، رأى هولمز أن الضربات الجوية الأميركية قد ساهمت في تغيير حسابات الحوثيين، ليس عبر حسم المعركة، بل عبر رفع كلفة استمرار الهجمات على الملاحة البحرية دون تحقيق مكاسب حقيقية.
وعندما رأت قيادة الحوثيين أن مهاجمة السفن التجارية والبحرية لم تعد ذات قيمة، قررت إنهاء هذا الجزء من الحملة ضد إسرائيل، مقابل وقف الهجمات الجوية الأميركية. وبهذا المعنى المحدود والضيق، ساهمت القوة الجوية في تشكيل نتيجة جزئية تتوافق مع المصالح الأميركية، دون أن ترقى إلى مستوى تحقيق السلام المباشر الكامل، حسب الكاتب.