العراق

"التنسيقي" يقيّد السوداني.. هل صدعت قمة بغداد "الإطار"؟

يبدو أن القمة العربية وما تلاها من كواليس، رسمت ملامح جديدة للتحالفات الانتخابية والفرقاء السياسيين، ففيما كشفت مصادر سياسية عن خلافات حادة ضربت الإطار التنسيقي في أعقاب انتهاء القمة، وأن قادته اتخذوا قرارات من شأنها تقييد عمل رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، ربط مراقبون بين تلك الخلافات وإعلان الأخير تحالفه الانتخابي الذي ضم في غالبه أطرافا من خارج الإطار، وهو ما نفاه مستشار حكومي، مؤكدا أن الإعداد للتحالف الحالي كان سابقا للقمة.

وتقول مصادر سياسية، إن "الإطار التنسيقي عقد أمس الأول الاثنين، اجتماعا ناقش فيه الكثير من التطورات، وأبرزها مستوى القمة العربية والخلافات بين الفرقاء، بالإضافة إلى مستقبل الإطار وآليات عمله".

وتوضح المصادر، أن "الاجتماع ضم السوداني، ونوري المالكي (رئيس ائتلاف دولة القانون)، وهادي العامري (رئيس منظمة بدر)، وعمار الحكيم (رئيس تيار الحكمة)، وحيدر العبادي (رئيس ائتلاف النصر)، وقيس الخزعلي (رئيس حركة عصائب أهل الحق)، وقاسم الأعرجي (مستشار الأمن القومي)، إلى جانب المضيف همام حمودي (رئيس المجلس الأعلى الإسلامي)"، مشيرا إلى أن "النقاش لم يكن هادئا، بل تحول إلى سلسلة من المشادات الكلامية".

وتروي المصادر، أن "السوداني بدا غاضبا بسبب وصم القمة بالفشل بسبب غياب معظم الزعماء العرب، حيث تحول الاجتماع إلى مناسبة لتصفية الحسابات بين المجتمعين، وتبادل الاتهامات بين كبار قادة الإطار، في مشهد كشف عن انقسامات عميقة".

وتبين أن "الخلاف الأول ظهر بين السوداني والخزعلي، حيث وجه الأول اتهاما للأخير بمحاولة وضع إعلانات لماركة أحذية على بوابة مطار بغداد الدولي، في خطوة تهدف إلى إهانة الضيوف العرب، وأنه تم إحباط الخطوة، حيث تجادلا طويلا بهذا الشأن"، متابعة أن "الاتهام الآخر وجه إلى قاسم الأعرجي، حيث حمله الحاضرون مسؤولية فشل القمة والإخفاق في الحفاظ على سرية زيارة قائد فيلق القدس الإيراني إسماعيل قاآني إلى بغداد، معتبرين أن تسريب الزيارة كان سببا رئيسا في مقاطعة العديد من الزعماء العرب للقمة، من أن يتطور الخلاف إلى اشتباك بالأيدي بين السوداني والأعرجي كما أشاعته بعض وسائل الإعلام".

ووصفت القمة العربية المنعقدة في بغداد بإحدى أضعف القمم بسبب مستوى التمثيل العربي الذي شهدته، إذ عبّرت أوساط سياسية عن خيبتها بعد غياب أبرز الزعماء وحضور ستة زعماء فقط في القمة التي ضيفتها بغداد السبت الماضي.

وفي تقرير سابق لـ"العالم الجديد"، وضع مراقبون جملة أسباب كغياب القرار السيادي في العراق، والفوضى الإعلامية واضطراب الوضع الإقليمي والخلافات العربية بينها الصراع العراقي- الكويتي على المياه الإقليمية، وليس انتهاء بزيارة الجنرال الإيراني إسماعيل قاآني إلى بغداد بالتزامن مع المناسبة.

وفي كواليس الاجتماع أيضا، تكشف المصادر، أن "المجتمعين اتفقوا على آليات عمل داخل الإطار التنسيقي، أبرزها الانتظام في عقد الاجتماعات المقبلة للإطار وعدم انقطاعها حتى ظهور نتائج الانتخابات المقبلة، مع إلزام السوداني بحضور تلك الاجتماعات، كي لا يترك له حرية إدارة الملفات المهمة من دون مشاركتهم، مع انتظام اجتماعات ائتلاف إدارة الدولة".

وتضيف أن "المجتمعين قرروا الاتفاق على الخضوع للحجوم الانتخابية في التوزيعة الحكومية المقبلة، وحجب المناصب التنفيذية هذه المرة عن غير مستحقيها، مثلما جرى في الحكومة الحالية".

من جهته، يرى الباحث في الشأن السياسي مجاشع التميمي، أن "الخلافات المتصاعدة داخل الإطار التنسيقي، خاصة بعد إعلان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني تشكيل تحالف انتخابي يضم شخصيات غالبيتها من خارج الإطار، تشير إلى تصدع واضح في وحدة المواقف داخل الكتلة السياسية التي دعمته للوصول إلى رئاسة الحكومة".

ويعتقد التميمي، أن "هذه الخطوة تعكس رغبة السوداني في بناء مشروع سياسي مستقل، مستند إلى قاعدته الجماهيرية المتنامية، وهو ما ينظر إليه من بعض قوى الإطار كمحاولة للفكاك من التوازنات التقليدية".

أما عن الخلاف مع مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي، خصوصا في أعقاب زيارة قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني، يعقب التميمي، أن "هذا الخلاف يكشف حساسية السوداني إزاء التدخلات الإقليمية وتداعياتها على العلاقات العربية، فزيارة قاآني، التي جاءت قبيل القمة العربية في بغداد، أحرجت الحكومة وأضعفت الحضور العربي، وهو ما كان السوداني يسعى لتجنبه بإبقاء اللقاءات غير علنية حفاظا على توازن العلاقات الخارجية".

واعتبرت زيارة إسماعيل قآني، إلى العراق قبل القمة بأيام، رسالة واضحة عن حجم التأثير الإيراني على الدولة العميقة في العراق، حتى وإن كان رئيس الحكومة، محمد شياع السوداني، يحاول أن يتمايز بمواقفه ويظهر انفتاحا على الدول العربية والخليجية.

مع ذلك، يرى التميمي، أن "احتمالية عودة السوداني إلى التنسيق مع الإطار قائمة، خصوصا أن النفوذ الإيراني لا يزال مؤثرا داخل المعادلة السياسية، ويمسك بزمام التوازنات داخل الإطار، إلا أن هذه العودة ستتحدد بناء على تطورات المشهد الإقليمي والدولي، ومدى انعكاسها على الداخل العراقي، لا سيما في ظل التغيرات المتسارعة في علاقات القوى الإقليمية ومواقف العواصم المؤثرة".

وما هو مفاجئ أن أياما معدودة لم تمض حتى أعلن السوداني تشكيل تحالفه الجديد الذي يخوض فيه الانتخابات النيابية في تشرين الثاني المقبل.

وأعلن السوداني، الثلاثاء، عن تشكيل ائتلاف الإعمار والتنمية ويضم كلا من: تيار الفراتين بقيادة السوداني، وتحالف العقد الوطني بقيادة فالح الفياض، وائتلاف الوطنية بزعامة إياد علاوي، وتحالف إبداع كربلاء وعلى رأسه محافظ كربلاء نصيف الخطابي، وتجمع بلاد سومر بقيادة وزير العمل أحمد الأسدي، وتجمع أجيال بقيادة النائب محمد الصيهود، وتحالف حلول الوطني برئاسة محمد الدراجي".

إلى ذلك، ينفي مستشار رئيس الوزراء والمقرب منه عائد الهلالي، خلال حديث لـ"العالم الجديد"، أن "يكون هناك تأثير لما حصل في القمة العربية على تشكيل هذا التحالف، فهناك معلومات مؤكدة عن أن هذا التحالف أنشئ قبل القمة بوقت طويل لأن هناك تطابقا في وجهات النظر لدى جميع من في تحالف الإعمار والتنمية".

ويعتقد الهلالي، أن "السوداني لا يريد أن يتحالف مع كتل الاطار التنسيقي لأن تداعيات ذلك ستكون سلبية الآن على تحالفه الحالي الذي ضم شخصيات بعيدة جدا عن الإطار عدا أحمد الأسدي وفالح الفياض"، كاشفا أن "اتفاقات هذا التحالف تعود إلى قبل ستة أشهر خاصة مع الصيهود والأسدي والخطابي والفياض، وما أضيف علاوي بعد لقاءات عقدت في الأشهر الماضية".

ويخلص الهلالي إلى أن "كل ما حصل في أعقاب القمة لم يساهم بقضية إنضاج هذا التحالف، فقد كان هناك اتفاق مسبق على أن كتل الإطار تخوض الانتخابات منفردة وكان هناك حديث صريح عن أن الفياض والأسدي سيكونان شريكين في قائمة السوداني، مع إمكانية أن تلتئم مكونات الإطار التنسيقي بعد الانتخابات التشريعية".

ويستعد العراق لخوض انتخابات تشريعية جديدة في تشرين الثاني المقبل، في خضم مشهد سياسي متقلب، حيث تشهد فيه الساحة السياسية تداخلات معقدة، بين الأزمات الاقتصادية والاجتماعية من جهة، والتحولات السياسية التي تشهدها البلاد من جهة أخرى.

يقرأون الآن